الهجرة النبوية الشريفة ليست حدثا عاديا أو سفرا من مكان لمكان وانتقالا من مكة إلى المدينة المنورة(يثرب)فحسب، بل كان حدثا استثنائيا تاريخيا له دلالات ومعانى عظيمة..
أول معاني الهجرة من الوطن الأم إلى الوطن الجديد ألا تكون بلا سبب أو مغزى أو أهداف قريبة وبعيدة..
أولا: أن تكون الهجرة في سبيل الله وليس بحثا عن متاع الدنيا الزائل. قال تعالى: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ). سورة النساء: 100.
ثانيا: الهجرة ليست معناها نكران فضل الوطن الأم، فلولا أن أهل مكة ضيقوا الخناق على المسلمين الجدد، و قاموا باضطهادهم وسعوا لقتل النبي محمد ﷺ، ومحاربة الدعوة الجديدة، لأنها في اعتقادهم تقضي على نفوذذهم الديني والاجتماعي والاقتصادي، دعوة لعدم الشرك بالله وعبادة الأوثان التي لا تضر ولا تنفع دعوة للمساواة بين السادةو العبيد والعدالة للجميع.
انظر لما تحويه كلمات النبيﷺ من حب لمكة الموطن الأصلي الذي ولد ونشأ فيه..عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَكَّةَ: مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وأَحبَّكِ إلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
ثالثا: التخطيط والإعداد الجيد من عناصر نجاح الهجرة النبوية..وفي ذلك دروس عظيمة للمهاجرين الجدد، لا توجد هجرة عشوائية، بلا تخطيط..وضع الرسول ﷺ خطة محكمة سرية تقوم على الخداع الاستراتبجي لأهل مكة وساداتها من عتاة المشركين أعداء الدعوة الجديدة، الذين يريدون قتله و القضاء على الدعوة الجديدة، قال تعالى "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ"(الأنفال:30). أتاه جبريل وأخبره الخبر، وقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك؛ فإن الله يأمرك بالهجرة، فخرج رسول الله ﷺ وقد اختار علي ابن ابي طالب-رضي الله عنه؛ ليبيت في فراشه، ويلتحف ببردته الشريفة، فداء للنبي وشجاعة من فتى فى العشرين من عمره تعده الأقدار لأدوار عظيمة في الدعوة الجديدة، كما اختار النبى لصحبته أبا بكر الصديق -رضي الله عنه-، واختبا هو وصاحبه في غار ثور، ثلاث ليال، (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ معنا(التوبة/40).
انظر لتجليات الكلمة العظيمة الجامعة إِنَّ اللَّهَ معنا، كلمة ثبات وأمل من اثنين محاصرين من قوى الشر والظلم ومعهم سيوفهم و أسلحتهم، وهناك جائزة لمن يأتي بأحدهما حيًّا أو ميِّتًا، والجائزة هي مائة ناقة..وهى كبيرة عند العرب وقتها بلغة التجارة. لكن جنود الله خفية و أقوى و عنايته علية لا شىء فوقها ولا بعدها، الله معنا كافية وافية تلقى بالسكينة والطمأنينة على كل قلب خائف مرتجف فى أزمة..كلمة السر التى تفتح الأبواب المغلقة و النور المضيء لظلام القلوب ووهج الروح المعذبة و نجاة من كل مخاطر وتحديات الأيام الصعبة..يالها من دروس وعبر أفلا تعقلون؟