عصام محمد عبد القادر

ذكرى الهجرة.. دروس مستفادة

السبت، 06 يوليو 2024 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إن بناء الدول فى زماننا هذا ينبغى أن يقوم على نسقٍ قيمى يضمن الصلاح والإصلاح للشعوب والمجتمعات، كما يؤكد على أهمية أن تتواجد القيادات الرشيدة التى تنتهج المعيار الخلقى السامى فى صناعة واتخاذ القرارات التى تحدد مصير البشرية وتنهض بها لمستقبلٍ مزدهرٍ، أساسه الحق، وعماده الإعمار والفلاح فى شتى مجالات التنمية على الأرض، وفى هذا الإطار يتأكد فى قرارة النفوس مرجعية ما نعتقده، ونستلهم من ذكراه الدروس والعبر.

وها نحن نعيش فى ذكرى الهجرة النبوية الشريفة التى تحمل فى عبقها الكثير من المعانى العميقة الموجهة للسلوك القويم؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام قائدًا رائدًا يُحتذى بمدرسته التى جمعت بين مهارات القائد المستندة على التخطيط فى صورته المنظمة والتنفيذ بآليات التدبير الفكرى والملموس بما يضمن تحقيق المرمى، ناهيك على استعانة وتوكل على رب العباد؛ فتلك صورةٌ تجعلنا نطمئن وتستقر وجدانياتنا حيال ما نقوم به فى حياتنا إذا ما أدينا ما علينا ثم توكلنا على رب السماوات والأرض؛ فهو المقدر الموفق لدروب الخير.

لقد رأينا كيف أسس النبى صلى الله عليه وسلم دولته الباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وعانى وجاهد وتحمل التبعات ومعه أصحابه المخلصين؛ فكان التوفيق حليفه؛ حيث غير تاريخ البشرية وأخرجها من الظلمات إلى النور؛ فصارت العزة والكرامة والحرية المسئولية المبنية على الخلق الكريم الجم من سمات وخصال الإنسان، وما زلنا نعيش ونتذوق حلاوة وطيب الأثر، ومن ثم ندرك أن الدول تبنى بالكد والعمل المتواصل والإخلاص والولاء والانتماء التى يترجمها ممارسات وأداءات تسهم فى تحقيق النهضة والإعمار فى كل مجالٍ وفى شتى المهن؛ فتلك رسالة الإنسان فى الأرض وستظل باقيةً.

إن سيرة الهجرة وأحداثها الملهمة تؤكد فى نفوسنا الميل إلى طيب الأثر؛ فالطبيعة الإنسانية تعشق الغور فى التاريخ بما يحمله من سير الصالحين الذين قدموا للبشرية قاطبةً ما تستقيم به الحياة؛ لتصبح الأرض مظلةً للجميع يعمها العدل والمساواة، ويسودها المحبة والتواد، ويملؤها السلم والسلام، ويفيض منها الكرم والإيثار، ويغشها الأمن والطمأنينة، ومحبب للبشرية أيضًا ماهية الاستكشاف فيما فكر وعمل السابقون من أجله، وهذا يجعلنا دومًا مهتمين بما سوف نتركه من خلفنا من أعمالٍ وأداءاتٍ نتمنى أن تترك بصمةً يهتدى بها من يأتى بعدنا؛ ليستكمل مسيرة العطاء.

وذكرى الهجرة الخالدة تُعد بالنسبة لنا بمثابة تصحيحٍ للمسار إذا ما انحرفنا عن الطريق المستقيم؛ فمن خلال بيان المواقف العطرة بها نقوم أفعالنا ونعدل من سلوكياتنا؛ لنرتضى ونتقبل نتائجها، ومن ثم أضحت الذكرى دافعًا للتقدم والنهضة؛ فتحثنا دومًا على العمل الدؤوب لننتقل من مرحلةٍ لأخرى؛ فلا مناص عن جهدٍ وإخلاصٍ وأمانةٍ ومصداقيةٍ وإتقانٍ لشتى أداءاتنا وممارساتنا وأقوالنا، وهذا يؤكد العلاقة الارتباطية الموجبة بين تقدمٍ ورقى وازدهار الأوطان وتمسكها بصحيح السلوك وما يسبقه من خلق طيب يحقق غايات البناء المستدام.

ومن ثمرات الهجرة المشرفة تأكيدها على أن الظلام سيتبدد ويزول، وأن شمس الحق والعدل هى الباقية، وأن الشرور وأصحابها ستنال عقابها فى الدارين، وأن دعاة السلم والسلام والمحبة والوئام والمواقف النبيلة من أجل نصرة الحق وتأصيل العدل بين البشرية سيسطر أسماؤهم التاريخ بماءٍ من ذهبٍ، ولن تنساهم الذاكرة مهما أثقلتها الهموم، وعانت من الضغوط؛ فوضاءة المواقف النبيلة فى رحلة الهجرة لا تنتهى ويصعب حصرها؛ فقد أكدت على مفاهيم ما أحوجنا إليها الآن؛ ففيها رأينا الإيثار، ومن خلالها رصدنا الإصرار على العمل والاعتماد على النفس؛ ليصبح الفرد مشاركًا فى بناء مجد الدولة، وليس منتهجًا للسلبية التى لا تغنى ولا تثمن من جوع.

لقد أوضحت مواقف الهجرة المتعددة على أن تأسيس كيان الدول اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا وعقائديًا لا ينفك قطعًا عن تضحيةٍ وفداءٍ وشرفٍ وعزيمةٍ وجهادٍ بكل تنوعاته، وكفاحٍ متواصلٍ من أجل نصرة الحق؛ ناهيك عن وفاءٍ وصدقٍ ينسدل من عقيدةٍ لا تشوبها شائبةٌ، وفكر امتلأ بلؤلؤ الحديث وعطره الفياح؛ بالإضافة لتحمل وصبر وثبات بغية الوصول للغاية، وهذا هو عين الرباط الذى نأمل أن نراه فى الأعمال، وتعبر عنه أفكار العقول، وتترجمه سلوكياتٌ تصون مقدرات الوطن وتحمى أمنه القومى بأبعاده المختلفة.

ولتبيان ماهية التقدم والرقى فى صورته الصحيحة نؤكد أن شيوع الظلم والعدوان والجور والفساد والإفساد لا يمت للنهضة التى نأملها ونرجوها البتة؛ فكل هذا لزوالٍ سواء طال الزمان أم قصر؛ لكن ماهية الازدهار الحقيقى مرتبطة بأعمال مشفوعةٍ بقيمٍ وخلقٍ تؤكد الأصالة وتظهر المعاصرة لتاريخٍ مجيدٍ للشعوب والأمم التى حملت الخير بين جنباتها واتضحت عبر مواقفها وممارساتها؛ فمن يعين على الظلم ليس كمن يقف ضده ويتحمل تبعات مواقفه، ونحن نعيش فى فترة شيختها ووترتها اضطرابات تكاد لا تنتهى جراء التنازل عن النسق القيمى النبيل واستبداله بمعايير النفعية الصرفة.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة