على مدار العقود الماضية، لا يخلو الحديث في الاقتصاد عن التطرق إلى ركيزة أساسية من ركائز أي اقتصاد وطني، ألا وهي "الصناعة" وتتعدد المطالبات نحو تعزيز الصناعة، أو تكثر الانتقادات بأننا "نستورد من الأبرة إلى الصاروخ" ولا نجيد الصناعة، وهكذا في حلقة باتت شبه مفرغة، حتى أصبحت البيئة الصناعية في مصر بحيرة راكدة، تحتاج إلى من يلقي حجرًا يحرك مياهه الراكدة، هذا الحجر كان مبادرة "ابدأ".
منذ عامين تقريبًا وبالتحديد في 29 من أكتوبر 2022 انطلقت المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة المصرية "ابدأ" بتوجيه من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال "الملتقى والمعرض الدولي الأول للصناعة"، كمبادرة تهدف إلى دعم وتعميق الصناعهات الوطنية وتعزيز الاعتماد على المكون المحلي وإحلال الواردات من خلال تعزيز دور القطاع الخاص في توطين الصناعة ضمن أهداف التنمية المستدامة لرؤية 2030.
ما جذبني وأنا استمع إلى كلمات القائمين على المبادرة عدة أمور: أولها أنها مبادرة قوامها شباب مصر المخلصين الوطنيين، تتحرك بصورة "محوكمة إداريًا" و"مرنة تنظيميًا" و"فعالة تنفيذيًا" فنحن نتحدث عن شركة مساهمة مصرية لتنمية المشروعات تمتلك فيها حياة كريمة حصة حاكمة، وبالتالي نحن خارج إطار البيروقراطية الإدارية التي تعاني منها المبادرات الحكومية في غالب الأحيان.
وكذلك نتحدث عن محاور عدة، تمتاز بالشمول، فما بين محور يعمل على الإجراءات سواء للمصانع القائمة أو المتعثرة أو الساعية إلى التأسيس، وهو محور دعم الصناعة، فإنه لم يغب عن القائمين على المبادرة محور هام يتعلق بالتدريب والتطوير وتعزيز المهارات والقدرات لدى المصنعين والعاملين في مجال الصناعة، وهو محور يهتم ليس فقط برفع كفاءة العاملين في هذا القطاع الهام ولكن في تحسين الصورة الذهنية للتعليم الفني والتدريب المهني، وكذلك محور المشروعات الكبرى والذي يسعى إلى تكامل القدرات وتجميع الطاقات.
ما يميز تلك المبادرة حقًا هو نجاحها في تقديم ما أحب أن أسميه "صناعة النموذج" وهو مرحلة هامة من مراحل نجاح أي رؤية كبرى، فالرؤى الكبرى تظل أحلامًا محلقة، ما لم يكن لها أثر واقعي ملموس، ولكن هذا الأثر يحتاج إلى سنين طويلة وطاقات وجهود متراكمة، وهذا يفقد البعض الأمل ويعيق الاستمرارية، إلا أن صناعة النموذج الناجح، يرسم خارطة الطريق إلى الحل، ويوضح الخطوات التنفيذية نحو تحقيق الحلم، وهذا ما نجحت فيه مبادرة "ابدأ".
وإذ نتحدث عن تلك المبادرة في ظل حكومة جديدة، وفي ظل إسناد ملف الصناعة إلى قامة وطنية من الطراز الفريد وهو الفريق كامل الوزير، الذي نجح في وقت قصير وفي ظروف صعبة أن يقود "قاطرة" النقل نحو بر الأمان، فإن الفرصة مواتية لمضاعفة نتائج تلك المبادرة، في ظل وجود الفريق كامل الوزير على رأس وزارة الصناعة، لتكون المبادرة هي شرارة انطلاقة لثورة صناعية مصرية نحن في أمس الحاجة إليها.