تعد المدن الجديدة التي دشنتها الدولة المصرية في السنوات الأخيرة، بمثابة أبرز معالم الجمهورية الجديدة، بل الشاهد الأبرز على النهج التنموي الذي تتبناه، باعتبارها نموذجا للاستدامة، في ضوء مراعاتها للجوانب البيئية والتكنولوجية، وهو ما يساهم بصورة كبيرة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية والتي تمثل أحد أهم أركان التنمية الاقتصادية، والتي تعد بمثابة الاولوية القصوى لمجابهة التحديات المحيطة بالدولة، جراء الظروف والتحديات سواء الاقليمية أو الدولية.
إلا أن مدينة العلمين الجديدة، تحمل وضعا يبدو استثنائيا، في ظل ما تمتلكة من إمكانات أضفت عليها حالة من الشمولية، أبرزت قدرتها على اقتحام العديد من المجالات، منها على سبيل المثال صناعة الترفيه، والتي تجلت في أبهى صورها في مهرجان العلمين، والذي يستقطب ألاف البشر من عشاق الفن، مع مشاركة واسعة النطاق من كبار النجوم في مصر والوطن العربي، في احياء الحفلات، وهو ما يقدم في نفس الوقت رسالة سلام إلى العالم، رغم ما تزخر به المنطقة من أزمات وصراعات وحالة من عدم الاستقرار، وهو ما يعكس أحد أهم أبعاد النهج الذي تتبناه الدولة المصرية في مجابهة أزماتها، عبر أدواتها الناعمة.
والحديث عن استخدام الأدوات الناعمة، في مجابهة الأزمات الخشنة، ليس بالأمر الجديد تماما، حيث يمثل نهجا ملاصقا للرؤية التي تتبناها الجمهورية الجديدة، منذ ميلادها قبل عشرة سنوات، وهو ما بدا في إدارتها لملف الارهاب، فكان الفن، باعتباره أحد أبرز الادوات الناعمة سلاحا مهما في الحرب ضد جماعات الظلام، عبر أعمال كشفت أهدافهم ورؤيتهم، بينما يبقى المهرجان الفني هو الاخر الذي حقق نجاحا كبيرا في العلمين، في ضوء ما قدمه من رسائل حول قوة الدولة وقدرتها على إحكام سيطرتها على أراضيها، أحد أهم أركان المواجهة مع القوى الساعية لنشر الفوضى الاقليميه في اللحظة الراهنة.
السطور الماضية وان ارتبطت باقتحام المدينة قطاع الترفيه، والذي بات يمثل أحد قطاعات التنمية الحيوية في العديد من دول العالم، إلا أنها ترتبط بقطاعات أخرى وأهمها صناعة السياحة، والتي تمركزت لسنوات حول المناطق الأثرية، وعدد من المنتجعات، حيث تساهم المدينة الساحلية في تعزيز السياحة الترفيهية في ضوء ما تتمتع به من أجواء ساحرة، بينما تقدم دفعة كبيرة لسياحة المؤتمرات، وهو ما سعت الدولة لتقديمه عبر استضافة العديد من الاحداث الهامة، بمدينة العلمين، منها على سبيل المثال مؤتمر الفصائل الفلسطينية الذي عقد في شهر يوليو من العام الماضي.
وبالنظر إلى صناعتي السياحة والترفيه، نجد أن ثمة حقيقة مفادها أنها قطاعات تمثل فيها مصر ريادة تاريخية، نظرا لما تملكه من إمكانات كبيرة، إلا أنها عانت بعض الاهمال والكثير من الظروف الصعبة بسبب التطورات الاقليمية المتواترة، حتى أعادت الدولة استكشاف أحد أبرز دوائرها التنموية مجددا، من قلب العلمين الجديدة
وهنا نستلهم من بين السطور الجديدة، بعدا آخر دبلوماسيا من شأنه تعزيز الدور الذي تلعبه الدولة المصرية، والذي ظهر في العلمين في أكثر من مناسبة سابقة، وكذلك في مدن أخرى، منها العاصمة الإدارية التي استضافت قمة القاهرة للسلام في أكتوبر الماضي في أعقاب العدوان على غزة، وهو ما أضفى الزخم للمدن العربية، وفي القلب منها العلمين الجديدة، بعد استضافتها للعديد من القمم والاجتماعات مؤخرا، حيث باتت مؤهلة لتكون منصة جديدة للدبلوماسية العالمية، وهو ما يتزامن مع العديد من المعطيات، أبرزها تراجع منصات الدبلوماسية الدولية الكبرى، والتي تخلت عن حيادها في ضوء الظروف والمستجدات الراهنة.
وهنا يمكننا القول بأن مدينة العلمين الجديدة تعد نموذجا للتنمية الشاملة، في ضوء قدرتها على استيعاب العديد من القطاعات الحيوية، لتكون نموذجا يمكن استلهامه على المستوى الاقليمي بما يساهم في تخفيف حدة الصراع لصالح العمل التنموي، وبالتالي تعزيز المصالح المشتركة بين كافة القوى المؤثرة.