عصام محمد عبد القادر

الوعي الاقتصادي عبر منبر دار الإفتاء المصرية

السبت، 10 أغسطس 2024 06:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نوقن أن العمل والعبادة بينهما ترابط تام؛ حيث إن كليهما يحققان المقربة من الله؛ فلا يقبل الإنسان إلا الإتقان ولا يرتضي دون العبادة والطاعة المشفوعة بحقوقها، وهذا يؤدي دون مواربة إلى أن يكامل الفرد منا ما بين منهجية التدين ووجوبية الإعمار الدنيوي الذي يتطلب استدامة في العطاء والكفاح والإخلاص؛ فنتحصل على الأجر والمثوبة، وهو ما اقرته دار الإفتاء المصرية في العديد من الفتاوى التي تمخضت عن فيض التساؤل حول هذا الأمر الجلل.


وإلزام الإنسان المقتدر على العمل مناط تكليف لا تشريف؛ حيث يوفر متطلبات الإعالة له ولغيره ممن يرعاهم، وترك ذلك يعد ضربًا من ضروب التقصير الذي يستوجب المحاسبة في الدارين، ومن ثم هناك ضرورة تستوجب التوازن بين القيام بالطاعة وأداء العمل؛ فلا إفراط ولا تفريط، كي تتحقق الغاية الكبرى؛ فتنمو الخبرات التي تقوم على نهضة الهمة والإقبال على العمل؛ فتعم الفائدة على الفرد وكيان الأسرة والمجتمع والوطن قاطبة.


وندرك جليًا أن فتاوى دار الإفتاء المصرية تستهدف تنمية وعي الإنسان في إطاره وسياجه القويم؛ كي يفقه ما يحيط به ويفهم بعمق مجريات الأمور وأحداثها من حوله، ومن ثم يتمكن من معالجة ما يتعرض له من مواقف وقضايا بمنتهى الحكمة والموضوعية؛ فيتجنب جراء ذلك كل ما يؤدي إلى تشتيته أو تضليله أو وقوعه في الخطأ، وهنا نثمن دور الفتوى المؤسسية التي تنمي ماهية الحس والشعور لدى الإنسان، وتجعله فاهمًا مستوعبًا بعمق للواقع؛ فيتخذ القرار الصحيح مع تحريه كل ما قد يؤدي إلى زيفه أو تشويهه.


وجمال ورقي الفتوى تنبري على حداثة المعرفة، والإحاطة المستمرة بمجريات الأحداث ومتغيراتها، لتعبر الاستجابة عن آخر المستجدات، وهذا عماد تنمية الوعي الصحيح، وعليه نشير إلى ماهية الوعي الاقتصادي الذي يعنى الإطار المفاهيمي للقيم الاقتصادية المؤدية إلى فهم الواقع الاقتصادي بصورة صحيحة لدى المواطن، بما يعمل على توجيه سلوكه الاقتصادي إلى المسار المرغوب فيه؛ حيث تصبح ممارساته الاقتصادية مقبولة فيما يرتبط بالمناحي الاقتصادية، كترشيد الاستهلاك والإنفاق، وإتقان العمل، وتجويد المنتج، والادخار، والاستثمار، والمحافظة على الممتلكات العامة، وإدارة الوقت وغيرها، مما يصعب حصره، كما يؤدي ذلك إلى تعظيم الموارد الاقتصادية، والمشاركة في التنظيم الاقتصادي والسعي إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية العامة والخاصة.


ووفق تعاليم السماء الجلية تؤكد الفتوى في طياتها على أهمية الاقتصاد في بقاء الأمم والشعوب بعيدًا عن براثن العوز والاحتياج والفاقة؛ لذا أضحى الوعي الاقتصادي مستمدًا أهميته من ارتباطه بالاقتصاد، الذي يشكل عصب الدولة، ومنبع قوتها واستقلالها وسيادتها في إدارة مواردها وصناعة واتخاذ قرارها، وتحديد طبيعة علاقاتها مع جيرانها؛ فصار الاقتصاد القوي منقذًا للوطن من العوز والحاجة، ومد اليد لبلاد أخرى لها أهداف وطموحات استعمارية خفية.


وتشارك دار الإفتاء المصرية بصورة مباشرة في تنمية الوعي الاقتصادي لدى المجتمعات؛ حيث تحث الفتاوى الصادرة عنها على أهمية فهم المواطن واستيعابه لطبيعة اقتصاد وطنه؛ ليستطيع أن يميز الغث من السمين حول ما يثار من آراء وأقوال؛ فلا يقع في غيابات المضلين والمزيفين للحقائق، ومن ثم يبحث ويستكشف ما يبذل من جهود حيال وضع الموازنة العامة للدولة ويتعرف على آليات عمل الحكومة لزيادة الدخل القومي، وصور الإنفاق العام، وسُبل ترشيده، ويطالع القرارات التي تستهدف الإصلاح الاقتصادي، والعمل على دعمها وتوعية الغير بها.


وإذا ما كان منبر دار الإفتاء المصرية شريكًا أصيلًا في تنمية الوعي الاقتصادي؛ إلا أننا لا ننكر دور التنشئة الاجتماعية في هذا المضمار؛ حيث ينال الخبرات المرتبطة بالجانب الاقتصادي أثناء تفاعله مع الآخرين، ومن ثم تحدث التنمية والنضج الاقتصادي لديه بالتناغم مع تحمل المسئولية، ويتم ذلك بصورة ممنهجة داخل المؤسسة التعليمية وخارجها، وثمة دور للأسرة إذ تشارك في تنمية الخبرات الاقتصادية، وهناك أيضًا المؤسسات الاجتماعية التي تؤدي دورًا إيجابيًا بصورة مقصودة أو غير مقصودة.


وبنظرة متعمقة تحكمها سياجات التربية نرى أن إعداد المواطن الصالح يشمل بالضرورة مقدرته على ترشيد السلوك الاستهلاكي، وتجنبه كافة صور الترف الزائد وأنماط الإسراف، واستيعابه لما يمر به الوطن والعالم قاطبة من مشكلات اقتصادية، وتقديره لما يبذل من جهود التنمية الاقتصادية التي تقوم بها الدولة بكافة قطاعاتها على مدار الساعة.


إن تنمية الوعي الاقتصادي أصبح فرض عين؛ حيث ينبغي أن يمتلك المواطن قدرًا من المعلومات والمهارات التي تؤكد الاتجاهات الإيجابية لديه في المناحي الاقتصادية؛ ليشارك ويتفاعل وينتج ويدخر ويستهلك بصورة مقننة، ويتخذ القرارات الاقتصادية الرشيدة التي يرتئيها، ويدرك مدى أهمية العلاقات الاقتصادية القائمة بين مؤسسات المجتمع، وبين الدولة ودول العالم المختلفة، ويبذل وسعه لدعم المنظومة الاقتصادية في بلاده، ويقدر ما يبذل من جهود إزاء التنمية الاقتصادية في جمهوريتنا الجديدة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة