حينما يتعلق الأمر بمصير الشرق الأوسط، تجد مصر حاضرة وبقوة في مختلف الملفات ومعظم الأزمات.. وحينما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، تجد مصر وسيطاً نزيهاً وشريفاً لإنهاء أي أزمة مهما كان حجمها.. أما حينما يتعلق الأمر، بأزمة كبرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة مرتبطة بانفجار الأوضاع في الشرق الأوسط، تجد مصر تزأر كالأسود في كافة الساحات الدولية والإقليمية، وتُثب متأهبة تواقة للدفاع عن الفلسطينيين والعرب أجمع، متسلحة بقوتها السياسية والدبلوماسية المعهودة.
فعلى مر العصور، كانت الدولة المصرية – ولا تزال – صمام الأمان والاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط، فهي رمانة الميزان للإقليم، وعامود الخيمة للأمة العربية، وقلب العروبة النابض.
ومنذ اندلاع الحرب بقطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، لم تتوقف الجهود المصرية للحظة واحدة، وبذلت القاهرة كل غالٍ ونفيس لإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، ولإدخال المساعدات الإنسانية للأشقاء الفلسطينيين، بالتزامن مع جهد سياسي جاد ومستمر للتوصل إلى هدنة إنسانية تفضي لوقف دائم لإطلاق النار في القطاع، بما يمهد لتسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية عمادها الرئيسي تنفيذ مشروع حل الدولتين.
كما وقفت مصر حائط صد منيع ضد تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة من أرضهم الطاهرة، وتصدت لكافة المراوغات الإسرائيلية، بل نجحت في استقطاب تأييد معظم حلفاء تل أبيب الدوليين تجاه هذا الموقف القومي والعروبي، لاسيما من الدوائر الأمريكية والأوروبية.
الدولة المصرية لم تزل تطلق تحذيراتها المتكررة من اتساع رقعة الصراع بالمنطقة ومخاطر الانزلاق لفوضى إقليمية لا تُحمد عقباها، وتحث كافة الأطراف على ضبط النفس والتهدئة، بما يعيد الشرق الأوسط مرة أخرى إلى دائرة السلام والاستقرار.
وعلى مدار الأيام الماضية، تكثف القاهرة اتصالاتها ومشاوراتها ومباحثاتها، للحيلولة دون وقوع المنطقة في أتون حرب شاملة قد تقضى على الأخضر واليابس في الإقليم البائس، وللضغط على كيان الاحتلال الإسرائيلي ورئيس حكومته بنيامين نتنياهو للجنوح إلى السلام، وإنهاء العدوان الظالم على غزة باعتباره النواة الرئيسية لعودة الاستقرار للمنطقة.
مؤخراً، أصدر قادة مصر والولايات المتحدة الأمريكية وقطر، بياناً مشتركاً بشأن القضية الفلسطينية، عبر آلية التعاون والوساطة بينهم لحلحلة أزمة غزة.. وكان شعار هذا البيان القوي هو "لقد حان الوقت"، حان الوقت كي يتم بصورة فورية وضع حد للمعاناة المستمرة منذ أمد بعيد لشعب غزة، وكذلك المعاناة المستمرة منذ أمد بعيد للرهائن وعائلاتهم، وحان الوقت للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإبرام اتفاق بشأن الإفراج عن الرهائن والمعتقلين.
البيان المشترك سرد مساعي الوساطة الثلاثية على مدار عدة أشهر، للتوصل إلى إطار اتفاق مطروح حالياً على الطاولة، ينهي أزمة غزة ويرفع المعاناة عن الفلسطينيين الأبرياء، وطالب البيان بعدم إضاعة مزيد من الوقت، كما يجب ألا تكون هناك ذرائع من قبل أي طرف لتأجيل آخر.
وبعد صدور هذا البيان الذي لاقى ترحيباً واسعاً من مختلف الأوساط العربية والإقليمية والدولية، تم الإعلان عن استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، الخميس المقبل في القاهرة أو الدوحة، لسد كافة الثغرات المتبقية وبدء تنفيذ اتفاق التهدئة دون أي تأجيلات جديدة.
سبق هذا البيان الناري بساعات، اتصالاً هاتفياً تلقاه الرئيس عبد الفتاح السيسي من نظيره الأمريكي جو بايدن، تم التأكيد خلاله على عزمهما الاستمرار في جهود خفض التصعيد بالشرق الأوسط واستعادة السلم والأمن الإقليميين، واتفق الرئيسان على الاستمرار في العمل المشترك المكثف لوقف إطلاق النار، وفي الجهود لتنفيذ حل الدولتين باعتباره الضامن الرئيسي للاستقرار والأمن لجميع شعوب المنطقة.
وأعقب البيان، اتصال هاتفي أجراه الرئيس السيسي مع كير ستارمر رئيس وزراء المملكة المتحدة، أوضح خلاله رؤية الدولة المصرية لكيفية استعادة الأمن والاستقرار في الإقليم الذي يمر بمرحلة خطيرة من التصعيد المستمر، وهو ما ثمنه رئيس الوزراء البريطاني، الذي أكد حرصه على استمرار التنسيق المكثف مع مصر في إطار الجهود المشتركة لضمان الأمن والاستقرار بالمنطقة وتجاوز المرحلة الدقيقة التي يمر بها الشرق الأوسط.
ويبقى القول، إن اتصالات ومشاورات الدولة المصرية لم ولن تتوقف أبداً، للوصول إلى إنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتحقيق التسوية العادلة والشاملة للقضية الفلسطينية.. وستبقى مصر بقوة مؤسساتها وإدارة شعبها وصدق مساعيها، هي خبر الحل، ومبتدأ الأمر، ومفتاح الخريطة ومركزها..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة