بينما تدور الحرب منذ 7 أكتوبر الماضى، على جبهات متعددة، يواصل الاحتلال حرب إبادة على قطاع غزة، وارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية ومذابح للأطفال والعزل، وتدميرا للمستشفيات والمدارس وكل سبل الحياة، وفى الوقت ذاته يفرض حصارا وحرب تجويع على القطاع والسكان المدنيين، بجانب أن الاحتلال يُضيّع كل فرص السلام، ويلجأ إلى ترديد الأكاذيب والادعاءات بحثا عن شماعة يعلق عليها فشله فى تحقيق أهداف أعلنها منذ بداية الحرب، أهمها استعادة المحتجزين بالحرب، والقضاء على المقاومة، وهما هدفان عجز عن تحقيق أى منهما، رغم قتله لأكثر من 40 ألف مدنى أعزل، ومئات الآلاف من الجرحى، أغلبهم أطفال.
وبالرغم من أن نتنياهو والاحتلال مارسا استفزازا وسعيا لتنفيذ خطط التهجير والتصفية، فقد ظلت مصر تلتزم بأقصى درجات ضبط النفس منذ بداية الحرب فى غزة، مع وضع خطوط حاسمة ضد التهجير والتصفية، وسعت - خلال كل هذه الفترة - للوصول إلى تهدئة وتجنيب المنطقة خطر الحرب التى تهدد السلم الإقليمى والدولى، وخاضت مصر أكثر من حرب على أكثر من جبهة، حربا فى مواجهة مخططات الاحتلال، وحروبا دبلوماسية وسياسية ومعلوماتية لمنع اتساع الصراعات، وتفويت الفرصة على تجار الحروب، ومنعت دخول المنطقة فى دائرة مفرغة من الصراع، مع التمسك برفض كل المحاولات الإسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة، ودفعهم نحو الأراضى المصرية لتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها.
وفى مواجهة الحسم المصرى والمواقف الواضحة دوليا وإقليميا، اعتاد الاحتلال إطلاق الأكاذيب كل فترة، وآخرها ترويج مزاعم حول وجود فتحات أنفاق داخل الأراضى المصرية، وهو ما نفته مصر مؤكدة كذب هذه الادعاءات شكلا وموضوعا، وهذه ليست المرة الأولى التى يطلق الاحتلال شائعات وادعاءات، ويعجز عن تقديم أى أدلة على أكاذيبه، مثلما نفت المصادر المصرية بحسم.
سبق ولجأ نتنياهو إلى الكذب، وردد أكاذيب عن تسريب سلاح للمقاومة أو إغلاق المعبر، أو وجود أنفاق على الحدود مع غزة، وهو ما نفته مصر وعجز الاحتلال عن تقديم أى دليل عليه، وسبق وردد محامو الاحتلال أكاذيب عن إغلاق المعبر كذبته الأدلة والصور والفيديوهات، بل إن تقارير داخلية وأمريكية كشفت كذب تهريب الأسلحة، وكشفت عن تورط ضباط وقيادات فى جيش الاحتلال، متورطين فى سرقة وبيع السلاح لأطرف المقاومة.
والواقع أن الاحتلال يلجأ إلى ترويج الأكاذيب فى محاولة للالتفاف على دعاوى أمام محكمة العدل الدولية، والتى تثبت جرائم الإبادة والتصفية العرقية، وفى مواجهة حرب إجرامية فإن قدر مصر أن تتعامل مع الأزمة بكل الطرق والتحركات، وتخوض حروبا على أكثر من جبهة لوقف العدوان وتتواصل مع كل الأطراف الفاعلة إقليميا ودوليا، وتضغط لدخول المساعدات الإنسانية، كما تتمسك مصر برؤية شاملة تتمثل فى خارطة طريق تستهدف إنهاء الاحتلال وإحياء مسار السلام، وصولا لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وقد تحدد موقف مصر الحاسم منذ بدء العدوان، وأعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكل جهات الدولة، ويتضمن الرفض التام لأى تهجير للأشقاء الفلسطينيين من قطاع غزة إلى خارجه، لما فى هذا من تصفية مؤكدة للقضية الفلسطينية، وتهديد مباشر للسيادة، والأمن القومى، المصرييْن، وهو ما أوضحت كل التصريحات والبيانات المصرية أنه «خط أحمر» وأن لدى القاهرة من الوسائل ما يمكنها من التعامل معه بصورة فورية وفعالة.
سعت مصر ولا تزال لوقف التصعيد الإقليمى، وتفويت الفرص على نتنياهو وفريقه المتطرف وتجار السلاح، والحرب، وتمسك بالتواصل مع كل الأطراف الإقليمية والدولية للتوصل إلى وقف للحرب، والسير نحو حل الدولتين، والذى أصبح يفرض نفسه، بل وتدفع مصر نحو توحيد الفلسطينيين ليكونوا معا فى مواجهة المستقبل وما بعد انتهاء الحرب.
وعلى مدار شهور تخوض مصر حروبا سياسية ودبلوماسية وتتمسك بالصبر الاستراتيجى، وتواجه تحديات الأمن القومى، ومخططات التهجير والتصفية، وتواجه الأكاذيب الصهيونية والمزايدات التى تنطلق من الاحتلال وحلفائه، لتمرير مخططات خبيثة، تنتبه لها الدولة المصرية جيدا وتواجهها بحسم.
مقال أكرم القصاص فى العدد الورقى