ليست هناك جائزة أدبية عالمية يرضى عنها الجميع كل الرضى، ويتفق حولها الجميع كل الاتفاق، وتلقى من الجميع كل القبول .. وأسباب عدم الرضى، أو عدم الاتفاق والقبول، أسباب كثيرة ومتنوعة، وقد تكون متباينة من هذه الجائزة إلى تلك..
من هذه الأسباب ما يرتبط بحسابات "القوى الثقافية"، أو "القوى اللغوية" ـ إذا صحّ هذان التعبيران ـ إذ تفرض الثقافات المهيمنة، واللغات الأكثر انتشارا، نوعا من السطوة الظاهرة أو المستترة على اختيارات الأعمال الأدبية المنتمية إلى هذه الثقافة أو تلك، أو المكتوبة بهذه اللغة أو تلك.
ومن هذه الأسباب ما يتعلق بالتوزيع الجغرافي؛ إذ يرى بعض القائمين على بعض الجوائز، أو بعض المشاركين في تحكيمها، أن هناك "عدالة جغرافية" ما، يجب مراعاتها في توزيع الأعمال الأدبية الفائزة على مناطق جغرافية بعينها، أو على بلدان بعينها. وقد يتصل بهذا قدر من "الإجحاف" في تصور تلك العدالة الجغرافية المبتغاة؛ حينما يكون هناك تصوّر مسبق حول أهمية بلدان دون أخرى، فتوضع حسابات، أشبه بـ"موازين قوى"، حول توزيع الجوائز على المناطق والبلدان، أو حينما تكمن وراء هذه الحسابات أفكار ترتبط بتصور العلاقة بين "مركز" ما، من جهة، و"أطراف" أو "هوامش" ما، من جهة أخري، وبالطبع ـ في هذه الحالة " قد تحابي الجوائز ما تعتبره "مركزا" على ما تحتسبه "أطرافا" لهذا المركز.
ومن هذه الأسباب ما يتصل بـ"تسييس" بعض الجوائز، أو إخضاعها لتوجهّات سياسية بعينها.
وإلى جانب هذه الأسباب جميعا، هناك طبعا سبب يتصل بالمعايير نفسها التي يتم على أساسها اختيار هذا العمل الأدبي أو ذاك، أو صاحب هذه الأعمال الأدبية أو ذاك. . فالأعمال الأدبية، فيما هو مفترض، تقوم على أبعاد جمالية واستكشافات إبداعية، ويفترض في كل عمل أدبي حقيقي أنه يقدم إضافة ما، جمالية أو إبداعية، للنوع الأدبي نفسه.. وهذه الأبعاد الجمالية والإبداعية تظل دائما نسبية، لا يمكن الوصول إلى اتفاق كامل ونهائي حولها. فالأعمال الأدبية موصولة بالجمال الذي يصعب أو يستحيل أحيانا الاتفاق على طبيعته وحدوده، ولذلك قد يختلف الكثيرون حول العمل الأدبي وقيمته، أو على الأقل قد تتعدد أو تتباين وجهات نظرهم فيما يقدمه هذا العمل من إضافة.
لهذا كله، أثيرت (ولا تزال تثار، وربما سوف تظل تثار) أسئلة كثيرة، وأحيانا اعتراضات محدودة أو واسعة، عقب إعلان نتائج أغلب الجوائز الأدبية العالمية، إلا في حالات قليلة أو نادرة يكون فيها العمل الأدبي أو المبدع الفائز متميزا إلى حدّ يصعب تجاهله أو إنكاره.
ولنأخذ نموذجا على هذا من بعض الجوائز العالمية، جائزة "نوبل" التي يمكن أن تعدّ "مثالا" كبيرا، وواضحا، على الانتقادات والمآخذ التي يمكن التفكير فيها عندما تطرح قضية "عدالة"، أو "عدم عدالة"، الجوائز الأدبية العالمية.
الإطلالة السريعة على نتائج جائزة نوبل، منذ إطلاقها عام 1901، تستطيع أن تلتقط مشاهد عدة تنطوي على وجوه متعددة من غياب العدالة.
فالجنسيات التي حصل أصحابها على هذه الجائزة (التي يفترض أنها جائزة "عالمية" تتجه إلى "الأدب الإنساني" كله) لا تشمل جنسيات كثيرة تنتج أدبا يستحق الاهتمام به والالتفات إليه.
وعلى مستوى اللغات التي فازت أعمال مكتوبة بها بالجائزة، سنلاحظ خللا آخر؛ فنصيب اللغة الإنجليزية هو النصيب الأكبر، تليها اللغة الفرنسية ثم الألمانية والإسبانية والسويدية .. بينما لم يتجاوز نصيب لغات مثل البرتغالية والتشيكية والعربية والتركية أكثر من 1 في المائة.. (وضمن هذا النصيب الأخير أعمال نجيب محفوظ، الفائز الوحيد صاحب نتاج مكتوب بالعربية).. وبالطبع، بجانب هذه النسبة المجحفة، هناك لغات كثيرة جدا لم يحصل الأدب المكتوب بها على جائزة نوبل أبدا.
تبعا لهذه الحقائق، يمكن القول إن جائزة نوبل ليست عادلة في توزيعها على جنسيات العالم، ولا على اللغات الحية التي كتب بها الأدب في هذا العالم، ويمكن استنتاج أن هذه الجائزة تخضع لنوع من "المركزية" الجغرافية والثقافية واللغوية، وربما المركزية السياسية أيضا (لكن بمعنى مختلف عن الادعاء بأنها جائزة منحازة للصهيونية).
أثيرت حول هذا التباين في توزيع هذه الجائزة الأدبية الكبيرة، انتقادات متعددة. وأيّا كانت درجة المصداقية في هذه الانتقادات، فمن المسلّم به أن هناك بعض تساؤلات يمكن أن تثار حول بعض الفائزين بهذه الجائزة دون استحقاق واضح أو إجماع كبير، وأن هناك كتّابا كبارا كانوا يستحقون الفوز بها ولم يحصلوا عليها، وأغلب هؤلاء، من غير الفائزين، ينتمون إلى قارتي آسيا وأفريقيا (ومن بينهم أدباء عرب كثيرون).. بل وينتمي بعض المستحقين لهذه الجائزة ولم يحصلوا عليها إلى قارة أوروبا نفسها، ومن هؤلاء الأخيرين أدباء مثل نيكوس كازنتزاكيس، وجراهام جرين، وميلان كونديرا.
يضاف إلى هذه الانتقادات ما أثير حول التوجهات السياسية التي أسهمت، بهذا القدر من الوضوح أو ذاك، في منح هذه الجائزة، خلال بعض دوراتها، لكتّاب منشقّين عن بعض الأنظمة الشمولية التي يرفضها الغرب، مثل ألكسندر سولجنتسين الروسي (وهو معارض نفي من الاتحاد السوفييتي ورجع بعد انهياره) ومثل جاو كسينجيان (وهو كاتب من أصل صيني ويكتب بالصينية وحاصل على الجنسية الفرنسية)..
جائزة نوبل، في النهاية، مثال واحد كبير على ما يمكن أن يثار حول الجوائز الأدبية العالمية من ملاحظات سلبية.
وعلى ذلك، فهذه الجوائز لا تخلو من انتقادات تبتعد بها عن معنى "العدالة المطلقة". ورغم هذا، فهذه الجوائز لا تخلو من فوائد جمة للمبدعين، ودور النشر، والقراء وحركة الترجمة..