إن وجودنا على وجه البسيطة أضحى مرهونًا بالثقافة التي تشكل المرتكن الرئيس للحضارة الإنسانية؛ فتعد المقوم الرئيس للسلوك والحافظة الكبرى للنسق القيمي والدافع لتطوير الفكر والمحفزة لبلوغ النهضة والتقدم والسعي تجاه مسارات التقدم والرقي بصورة مستدامة.
وبصورة واضحة تشكل الثقافة الخط الفاصل بين الشعوب؛ فهي المميز فيما يرتبط باللغة والعادة والنظام القيمي والمعتقد، وهذا سر بقاء المجتمعات والشعوب التي تبدو ثقافته في إطار وسياج قوي بفضل حرص منتسبيها في الحفاظ عليها ودحر محاولات النيل منها بالطرائق المختلفة المسميات والمرامي.
وثمة اتفاق على أن الثقافة داعمة لكافة وصور السلوكيات الإيجابية التي تساهم في بناء المجتمعات في شتى مجالات الحياة العملية منها والعملية؛ فعبر الثقافة يلبي الإنسان احتياجاته ويصبح قادر على العطاء وبذل ما لديه من جهود في العمل على إعمار وطنه الذي يشعر فيه بالدفء والمحبة والوئام مع مجتمعه.
وعبر مفردات الثقافة يشعر الفرد بالطمأنينة والتي تتأتى من تفسيرات واضحة البيان تؤكد أن كافة الفنون والأعمال قائمة على جهود متواصلة ومتصلة بين الجميع ولا تتوقف عند مرحلة بعينها، ومن ثم أضحت ماهية الثقافة جامعة بين الماضي والحاضر ومتطلعة إلى المستقبل في صورته الاستشراقية المبهجة للوجدان والقلوب.
ووفق ما يتمخض عن مفردات الثقافة من معايير حاكمة للمجتمع فإن قضية الولاء والانتماء ستظل الأكثر أهمية وتشغل بال الجميع بما فيهم المربين الذين يقع على عاتقهم إخراج أجيال تحافظ على مقدرات الوطن وتصونها وتعمل بمنهجية واضحة على استكمال مراحل البناء والتنمية في صورتها المستدامة.
إن الثقافة من الممرات الرئيسة للحرية في صورتها المسئولة والتي تكسب الإنسان منا المقدرة على التفكير في أنماطه المختلفة؛ فستطيع أن ندرك جيدًا ما يدور حولنا من تطورات وتغيرات عبر العالم الذي بات منفتحًا على مصراعيه، ومن خلال منابر الثقافة نتمكن من فرز الغث من الثمين؛ فنواصل التقدم تجاه ما يفيد وينفع الجميع ونتحرى تجنب ما قد يؤدي إلى أذى الآخر مهما تباينت الأسباب والمسببات.
لا نبالغ إذا ما قلنا إن الإطار الثقافي للفرد يسهم بقوة في تقويمه ويصقل ما لديه من فكرة التقييم الذاتي بما يؤدي لثمرات نراها فيما يقدمه من سلوك محمود سواء في مجال تخصصه أو ما يتبادر من سلوكيات وتصرفات عامة بين جموع الأفراد، وهذا يساعد على أن يستثمر الفرد ما لديه من قدرات في إطار وظيفي ينعكس إيجابًا على شتى المناحي الاجتماعية والفكرية، بل وعلى المستوى التنموي بصوره المختلفة.
وفي هذا الخضم نؤكد أن المثقف قادر على أن يقدم أفضل ما لديه، وأنه يمتلك الوعي ليس الثقافي فقط، بل الوعي في أنماطه المختلفة ليصبح قادر على خلق بيئة إيجابية تساعده في أن يحقق أهدافه الخاصة والعامة على السواء، ومن ثم يعد التغيير الفلسفة الرئيسة التي يمتطيها الفرد لينهض بنفسه وبالآخرين.
وللثقافة أدوار رئيسة للمساهمة في بناء الإنسان، حيث تعمل علي نقل المعارف والمعلومات والخبرات التراكمية للمجتمع للأفراد والأجيال المختلفة مما يساعدهم على اكتساب المعرفة والفهم والقدرة على التفكير والتحليل، كما تغرس بهم المبادئ والقيم السائدة في المجتمع كالعدالة والتسامح والمسؤولية، مما ينعكس على سلوكياتهم وتصرفاتهم، ومن ثم تشكل هوية المجتمع وتنظم علاقات الأفراد فيما بينهم وتحدد التفاعلات الاجتماعية والعادات والتقاليد كما تساعد على تنمية المواهب والقدرات الإبداعية للأفراد وتشجيع التعبير الفني والإبداع في مختلف المجالات، ويساعد استيعاب هذه الجوانب المختلفة لدور الثقافة في فهم كيفية بناء إنسان متكامل قادر على المساهمة الفعالة في تطوير مجتمعه.
وهنا يجب أن نعي الدور المهم لوزارة الثقافة في المجتمع المصري؛ حيث تعد الشعاع المضيء للفكر والمزود للمعرفة الرصينة والمعضد للتاريخ والحضارة؛ فهي منبر خطير تنطلق من مؤسساتها المختلفة الأفكار والابداعات والرؤى التي تستلهم مزيدا من الابتكارات؛ فترعي بقوة مسارات التطوير وتضع الأفراد والمؤسسات على طريق التنافسية والريادة على الصعيدين المحلي والعالمي.
نرى بموضوعية أن الثقافة التي تسهم في بناء الإنسان ذات طابع متجدد كونها مستمرة فيما تقدمه من عطاء على المستوى التاريخي وفي الحاضر المعاش والنظرة نحو المستقبل المزدهر؛ فرغم مهمتها في الحفاظ على الهوية والتاريخ والتراث وصحيح العادات والتقاليد وحماية النسق القيمي النبيل للمجتمع؛ لكن هناك أبعادًا روحية وفكرية تعمل على تجديدها وفق متطلبات العصر وبما يتواكب مع إفرازات التقدم التقني المتسارع.
إن الثقافة التي تهتم ببناء الانسان والتي تسعى لتحديد مسارات الإبداع ووضع لمسات الفن تهتم بالفنون العالية وبصور الثقافة العامة وبالجماهيرية والشعبية والفئوية، وتؤكد عبر آلياتها على التواصل والتكيف مع مفردات ومتغيرات الحياة التي باتت صاخبة؛ لتبدو مظاهرها راقية وجميلة من حيث الشكل والمضمون.