جولة جديدة من الصراع والحرب الدعائية، بين طهران وتل أبيب، جددتها عملية اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، فى العاصمة الإيرانية طهران، والتى مثلت إحراجا لإيران وأجهزتها، خاصة أن الاغتيال تم بعد يوم واحد من تنفيذ اغتيال الرجل الثانى فى «حزب الله» فؤاد شكر فى بيروت، بعد سلسلة اغتيالات نوعية نفذتها إسرائيل، على مدار الشهور الماضية، من دون أن يتجاوز الرد الإيرانى التصريحات والتوعد، مع الاكتفاء بإدارة صراع بالوكالة من خلال الحوثيين أو حزب الله.
الرد المباشر ظهر فى تصريحات إيرانية تتوعد بالانتقام، وهى تصريحات متوقعة من صدمة تنفيذ عملية اغتيال نوعية لا تزال تحمل علامات استفهام، وتشير إلى ثغرات لدى إيران واختراقات لأنظمتها الأمنية، تكشفت تلك الثغرات فى نجاح عمليات اغتيال متنوعة فى بيروت أو فى طهران.
فى أعقاب اغتيال «هنية»، أعلن المرشد الأعلى على خامنئى، أن الثأر لاغتيال هنية واجب على إيران، متوعدا بـ«عقاب قاسٍ لإسرائيل»، وقال الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان: «إن إيران «ستدافع عن وحدة أراضيها وكرامتها وشرفها وكبريائها، وستجعل المحتلين الإرهابيين يندمون على فعلهم الجبان»، ومع هذا فقد أعلن النائب الأول للرئيس الإيرانى محمد رضا عارفو أن طهران ليست لديها نية لتصعيد الصراع فى المنطقة، وهو سياق التزمت به إيران وحزب الله طوال الشهور الماضية، أما إسرائيل فقد أعلنت رفع حالة الاستعداد القصوى تحسبا لأى رد من إيران.
ورغم رفع حالة التأهب القصوى فى كل من إسرائيل وإيران، فلا تزال التوقعات تستبعد الصدام المباشر والاكتفاء بالمواجهة الدعائية بين الطرفين فى أعقاب مهاجمة إسرائيل للقنصلية الإيرانية فى دمشق، وتنفيذ اغتيالات لقيادات مهمة، ولهذا جاءت تصريحات المرشد العام لإيران على خامنئى فى أعقاب اغتيال إسماعيل هنية، هى نفسها فى قصف القنصلية فى دمشق قال يومها: «سنجعلهم يندمون على هذه الجريمة وغيرها من الجرائم المماثلة بعون الله».
تحليلات الخطاب تشير إلى أن طهران لن تحيد عن النهج الذى تبنته منذ أكتوبر، وهو تجنب الصراع المباشر مع إسرائيل والولايات المتحدة، فى الوقت الذى تساند فيه وكلاءها فى اليمن، أو عمليات نوعية فى شمال إسرائيل، بأى حروب ومواجهات بالوكالة، بينما تنشغل بصفقات ومفاوضات لصالح برامجها ومصالحها، وإن كانت الهجمات والاغتيالات تظهر ضعفا وثغرات، تتنافى مع تصريحات وخطابات لا تتناسب مع رد الفعل الضعيف.
اغتيال إسماعيل هنية تم بعد ساعات من حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيرانى الجديد، ما يعد مأزقا لإيران، وينضم إلى سلسلة اغتيالات نفذتها إسرائيل، ضد قيادات حماس، وكوادر حزب الله، بدءا من اغتيال صالح العارورى نائب رئيس حركة حماس فى بيروت يناير الماضى، بضربات صاروخية موجهة استهدفت مقرا لحركة حماس فى ضاحية بيروت الجنوبية، أسفرت عن مقتل 7 وإصابة 11 آخرين، على رأسهم العارورى والقياديان فى كتائب القسام سمير أفندى وعزام أقرع، و4 آخرون من عناصر الحركة، وبعدها شنت هجمات صاروخية لاغتيال قيادات إيرانية أو بحزب الله، آخرهم فؤاد شكر الرجل الثانى بحزب الله، والذى يمثل اغتياله اختراقا معلوماتيا، وأيضا ما يدور حول تنفيذ اغتيال هنية بصاروخ أو تتبع لشرائح تليفون محمول، وهو ما يكشف عن ثغرات أمنية، وتراجع فى القوة تتعمد إسرائيل كشفه، من دون أن تتجاوز إيران إعلانها عدم الرغبة فى توسيع الصراع، وهو أمر يضاعف من صورة الضعف، لأن إيران تعرضت لهجوم مباشر عدة مرات ولم ترد بأكثر من تهديدات أو حروب بالوكالة، وهو ما يشير إلى تحول نوعى فى شكل الصراع.
ظلت إيران طرفا فى الصراع القائم، من خلال إعلان الربط بين عملية 7 أكتوبر كونها انتقاما لاغتيال سليمانى، وهو ما نفته حماس مرات، واعتبرته ضارا بالعملية، تل أبيب ردت بضربات واغتيالات وهجمات متنوعة، ضد قيادات أمنية لحزب الله أو حماس، يرى محللون أن نتنياهو نجح بها فى نقل التركيز عن غزة التى وصل العدوان فيها لطريق مسدود، بعد عشرة أشهر من دون أن يستعيد المحتجزين بالحرب كما وعد.
وتبقى الحرب بين طهران وتل أبيب فى أغلبها «دعائية»، وبالرغم من تحذيرات كثيرة من حرب إقليمية، بينما إيران تعلن طوال الوقت أنها تتمسك بالابتعاد عن توسيع نطاقات حربها وتكتفى باستعمال وكلاء هنا أو هناك، بعضهم بالفعل انضم للصراع مثل الحوثيين، بينما يتمسك حزب الله بتأكيد جعل الصراع محدودا بسياقات ومواجهات تقليدية، ضمن لعبة خطرة، تتفوق فيها المعلومات والاستراتيجيات بينما تتساقط الدعايات التقليدية، وهو ما يحتم تغييرا فى جبهات الدعاية التقليدية.
اليوم السابع
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة