حازم الجندى

قانون الإجراءات الجنائية.. ثورة تشريعية ونقلة نوعية بمنظومة العدالة

الثلاثاء، 20 أغسطس 2024 01:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تبدأ لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب اليوم الثلاثاء 20 أغسطس، مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وذلك بعد أن انتهت اللجنة الفرعية المشكلة لصياغة ومراجعة مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، من صياغة المسودة النهائية لمشروع القانون، والتي على أساسها تتم المناقشات داخل اللجنة التشريعية، نتحدث هنا عن واحد من أهم التشريعات التي تمس جميع المواطنين، والذي سيكون إقراره وإصداره من أهم إنجازات مجلس النواب التشريعية على الإطلاق، فالقانون الحالي صدر عام 1950 وعفى عنه الزمن وبات إدخال تعديلات شاملة عليه أمرا ملحا حتى يواكب التغيرات والتطورات الحديثة.

قانون الإجراءات الجنائية من أهم القوانين المكملة للدستور، ينظم الإجراءات التي يجب اتباعها في التحقيق والمحاكمة والفصل في القضايا الجنائية، وتتصل أهميته بأنه يحمى الحقوق والحريات ويوفر الضمانات الدستورية ويعزز حقوق الإنسان، ويضمن حقوق المتهمين من خلال توفير ضمانات المحاكمة العادلة؛ وتشمل هذه الضمانات حق الدفاع، وحق الاستعانة بمحامٍ، وحق الاستئناف، وغيرها، كما يحدد الخطوات القانونية التي يجب على الجهات القضائية اتباعها لتحقيق العدالة، ومن خلال تنظيم الإجراءات الجنائية بشكل دقيق، يساهم القانون في الحفاظ على النظام العام والأمن المجتمعي عن طريق معاقبة المخالفين وفقًا لقواعد محددة ومعروفة، ويعزز الثقة في النظام القضائي الشامخ، لذا يلعب قانون الإجراءات الجنائية دورًا حاسمًا في الحفاظ على التوازن بين حقوق الأفراد وواجبات الدولة في محاكمة الجرائم ومعاقبة المجرمين.

وبإطلالة على تاريخ قانون الإجراءات الجنائية، نكتشف أنه ظهر أول قانون للإجراءات الجنائية في مصر عام 1875 تحت مسمى «قانون تحقيق الجنايات»، وكان يُطبق على المحاكم المختلطة، ثم صدر «قانون تحقيق الجنايات الأهلي» عام 1883 ليُطبق على المحاكم الأهلية، وقد تمّ تعديله عام 1904، أما قانون الإجراءات الجنائية الحالي، فقد صدر في أكتوبر 1950، وقد تعرّض إلى تعديلات كثيرة حتى وقتنا الحالي.

والحقيقة أن الجهد الكبير المبذول في مناقشات مشروع قانون الإجراءات الجنائية داخل أروقة البرلمان يؤكد الحرص الكبير من جانب السلطة التشريعية على الخروج بمشروع قانون متوازن ومتكامل يحقق الصالح العام، والحرص على الاستماع لكل الرؤى والمقترحات، حيث قد شكلت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب لجنة فرعية لصياغة وإعداد مشروع قانون جديد للإجراءات الجنائية؛ مستعينة بعديد من الخبرات القضائية والقانونية؛ وذلك إدراكًا منها بأهمية هذا القانون وخطورته البالغة؛ كونه من القوانين ذات الطبيعة المزدوجة، فهو ركيزة التنظيم القضائي في الشق الجنائي والظهير التشريعي لتفعيل حقوق وحريات المواطنين.

ووفقا لما أعلنه مجلس النواب، باشرت اللجنة أعمالها على مدار أربعة عشر شهرًا، واضعة نصب أعينها أحكام الدستور، وتعهدات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، ومبدأ الشرعية الإجرائية، والذي هو مبدأ أصيل وأساسي وحاكم للإجراءات الجنائية، لا يجوز الخروج عنه، يقوم بالأساس على إقامة توازن عادل بين حماية الحرية وحماية المجتمع؛ من خلال رسم نطاق قانوني لحرية الفرد، والتي يجب الحفاظ عليها وعدم التضحية بها مهما كانت الأسباب، بما لا يتعارض مع مصلحة المجتمع بل يسهم في تحقيقها.


وتشكيل اللجنة الفرعية، ضم عناصر قضائية وأكاديمية، وقانونيين متخصصين من الوزارات ذات الصلة (العدل، الداخلية، المجالس النيابية) وممثلين عن مجلس القضاء الأعلى، مجلس الدولة، النيابة العامة، هيئة مستشاري مجلس الوزراء، المجلس القومي لحقوق الإنسان، نقابة المحامين)، وعن مجلس الشيوخ، واللجنة قامت بتقييم شامل للقانون الحالي، ودرست التجارب الدولية للاستفادة منها في ضوء ما يتناسب مع طبيعة الدولة المصرية، وعكفت  على مناقشة كافة الآراء والمقترحات، والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة، ولم تنغلق على أعضائها؛ بل حرصت على التواصل مع جميع الجهات ذات الصلة، والاطلاع على التجارب التشريعية المماثلة في المحيطين العربي والدولي؛ سعيا نحو تقديم مشروع قانون متكامل، يليق بالدولة المصرية، ويلبى كافة التطلعات بما يتوافق مع التطور السريع في أنواع الجرائم وطرق وأساليب ارتكابها وما يقتضيه ذلك من إحداث ثورة شاملة في تنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة، وصولاً إلى تحقيق العدالة الناجزة وبما لا يخل في ذات الوقت بضمانات التقاضي، وهو ما حرصت اللجنة على توضيحه للرأي العام.

والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فبعد مناقشات دامت أكثر من 14 شهراً داخل اللجنة الفرعية، أبدى مجلس النواب برئاسة المستشار الجليل الدكتور حنفي جبالي، تمسكه بأن يصدر هذا القانون في عهد مجلس النواب الحالي قبل انتهاء الفصل التشريعي الثاني، فكلف اللجنة التشريعية بالانعقاد خلال فترة الإجازة البرلمانية القائمة حالياً لمناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد في ضوء المسودة التي انتهت إليها اللجنة الفرعية، تمهيداً لعرضه على المجلس لمناقشته في بداية دور الانعقاد العادي الخامس الذي سينطلق مطلع شهر أكتوبر المقبل، وبالفعل حددت اللجنة اليوم الثلاثاء كأول اجتماعاتها لمناقشة مشروع القانون، ولكن سبق ذلك اجتماعا موسعا دعا إليه رئيس مجلس النواب عقد يوم السبت الماضي بمقر المجلس، لاستعراض نتائج أعمال اللجنة الفرعية لإعداد وصياغة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بحضور الوزراء المعنيين ورؤساء وممثلي الأحزاب السياسية ونقابة المحامين والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وتم استعراض ملامح مشروع القانون والاستماع إلى الحضور في جلسة استغرقت نحو 5 ساعات، وهو ما يؤكد الحرص الكبير على التوافق الوطني حول مشروع قانون يعد من أهم التشريعات.

رئيس مجلس النواب أوضح خلال الاجتماع أن فكرة إعداد مشروع قانون جديد للإجراءات الجنائية بدأت حينما تضمن المشروع المقدم من الحكومة تعديل نحو ٣٦٥ مادة من أصل ٤٦١ مادة فضلاً عن العديد من الإشكاليات الدستورية التي ظهرت أثناء المناقشة وأشار إليها قسم التشريع بمجلس الدولة، فضلاً عن تعارض القانون الحالي مع الكثير من أحكام دستور ٢٠١٤، وبكل شفافية مشروع القانون الذي انتهت إليه اللجنة الفرعية متكامل ومتوازن وأتوقع أنه سيشهد توافق كبير حوله داخل اللجنة التشريعية ثم أثناء عرضه على المجلس في بداية دور الانعقاد الخامس.

فهناك جهد رائع وكبير ملموس في صياغة مشروع القانون الجديد، خاصة في ملف الحبس الاحتياطي الذي تم صياغة مواده بشكل يحقق التوازن بين مصلحة التحقيق والمحاكمة وبين حقوق المواطنين، وتضمنت أبرز ملامح مشروع القانون تخفيض مدد الحبس الاحتياطي وتنظيم التعويض عنه؛ تحقيقاً للغاية من كونه تدبيراً احترازياً وليس عقوبة، فضلاً عن إقرار بدائل الحبس الاحتياطي، فتم تخفيض مدد الحبس الاحتياطي لتكون في الجنح 4 أشهر بدلاً من 6 أشهر، وفي الجنايات 12 شهراً بدلاً من 18 شهراً، و18 شهراً بدلاً من سنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد أو الإعدام، وتحديد حد أقصى للحبس الاحتياطي من محكمة جنايات الدرجة الثانية أو محكمة النقض في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد ليصبح سنتين بحد أقصى بدلاً من عدم التقيد بمدد، وما بذل من جهد في هذا الإطار يعزز جهود الدولة المصرية في دعم وحماية حقوق الإنسان والحريات.

وفيما يتعلق بالحبس الاحتياطي؛ فإنني أثمن هذا الجهد الكبير والتنسيق والتعاون فيما بين مجلس النواب والحوار الوطني، حيث أولى الحوار الوطني أهمية كبيرة لهذا الملف وأفرد له جلسات لمناقشته واستمع فيها إلى المتخصصين والخبراء القانونيين والأحزاب والقوى السياسية والشخصيات العامة وغيرهم، كما أثمن ما أعلنه الحوار الوطني أمس الإثنين من رفع توصيات قضية الحبس الاحتياطي إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، لاتخاذ اللازم بشأنها، ويتزامن ذلك مع مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية في مجلس النواب، لذلك أتوقع أن يحيل الرئيس هذه التوصيات المتعلقة بالتعديلات التشريعية على الفور إلي مجلس النواب لأخذها في الاعتبار أثناء مناقشة مشروع القانون، فالرئيس السيسي يولي أهمية كبيرة للحوار الوطني ومتابعة توصياته ومخرجاته والحرص على التوجيه للحكومة بتنفيذها.


أيضاً مشروع القانون يتضمن إعادة تنظيم اختصاصات وصلاحيات مأمور الضبط القضائي بإقرار مزيد من الضمانات التزاماً بالمحددات الدستورية وأهمها الحصول على أمر قضائي مسبب في حدود ما تقتضيه الضرورة الاجرائية، كما ألغى الباب الخاص بالإكراه البدني واستبداله بإلزام المحكوم عليهم بأداء أعمال بالمنفعة العامة، فضلاً عما تضمنه من حقوق ومزايا تدعم وتعزز من الحقوق والحريات، إضافة إلى ترسيخ سلطة النيابة العامة في تحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية؛ باعتبارها الأمينة عليها، وصاحبة الاختصاص الأصيل في ذلك؛ كونها ممثلة للمجتمع المصري، والامتثال للضمانات الدستورية المنظمة لحقوق وحريات الأفراد، وخاصة في أحوال القبض، وتفتيش الأشخاص، ودخول المنازل وتفتيشها، وسلطات مأموري الضبط القضائي في هذا الصدد، وأهمها ضرورة الحصول على أمر قضائي مسبب لاتخاذ هذه الإجراءات؛ وكل ذلك فى حدود ما تقتضيه الضرورة الإجرائية.  

كما تتناول التعديلات تنظيم المنع من السفر والمنع من التصرف؛ بنصوص محكمة تراعى كافة الضمانات الدستورية، التي تحقق الغاية منهما، دون أن تنال في ذات الوقت من حق الأفراد في حرية التنقل أو الإقامة أو حماية الملكية الخاصة؛ باعتبارها حقوقا دستورية لا ينبغي تقييدها إلا في إطار الضرورة، وبضوابط محددة، علاوة على تنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة من خلال الوسائل الإلكترونية؛ بما من شأنه إحداث نقلة نوعية في هذا الإطار؛ وبما يضمن مواكبة التطور التقني، وأيضاً يضمن المشروع توفير حماية فعالة لكل من المتهمين والمبلغين والشهود؛ بما يضمن حسن سير إجراءات التقاضي، وتمكين أجهزة الدولة من مكافحة الجريمة، وإقرار وترسيخ مبدأ (لا محاكمة دون محام)؛ بما يتيح أن يكون لكل متهم محام حاضر معه، سواء كان موكلا منه أو تندبه سلطة التحقيق أو المحاكمة بحسب الأحوال بالتنسيق مع نقابة المحامين؛ ترسيخًا للحق في الدفاع.


ومن الأحكام المهمة التي تضمنها مشروع القانون إعادة تنظيم حق الطعن في الأحكام الغيابية عن طريق المعارضة؛ بالشكل الذى يحقق التوازن بين كفالة الحق في التقاضي وضمانات حق الدفاع؛ وبين كفالة تحقيق العدالة الناجزة وسرعة الفصل في القضايا في آن واحد، بالإضافة إلى تنظيم الحق في استئناف الأحكام الصادرة من محكمة الجنايات، وذلك في إطار تعزيز وتدعيم حق التقاضي والحق في الدفاع كضمانات دستورية راسخة، فضلاً عن حماية حقوق ذوي الهمم؛ في مراحل التحقيق والمحاكمة وتنفيذ العقوبة؛ من خلال توفير المساعدات الفنية، ووسائل الإتاحة اللازمة والمناسبة لهم خلال هذه المراحل، وتنظيم ورعاية حقوق المتهمين والمحكوم عليهم المصابين بأمراض عقلية أو نفسية؛ سواء أثناء التحقيق أو المحاكمة أو حتى أثناء تنفيذ العقوبة؛ وذلك بتنظيم أحوال وإجراءات إيداعهم منشآت الصحة النفسية خلال أي مرحلة من هذه المراحل، وضمان حقوق المرأة والطفل؛ وذلك بتأجيل تنفيذ بعض العقوبات على المرأة الحامل؛ بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية والاتفاقيات والمواثيق الدولية، وغيرها.


الحقيقة أننا أمام مشروع قانون متكامل ومتوازن ويتسق مع أحكام الدستور والمواثيق والاتفاقيات الدولية المنظمة لحقوق الإنسان وضمانات التقاضي، وسيحدث نقلة نوعية كبيرة في منظومة العدالة، ويتوافق مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويعد نقلة نوعية في كفالة وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان، وسيسهم في تطوير منظومة العدالة وتحقيق العدالة الناجزة، كما أن مشروع القانون يراعي مواكبة التطورات التقنية والتكنولوجية في منظومة التقاضي، وتنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة من خلال الوسائل الإلكترونية، من خلال صياغات تشريعية متوازنة ومنضبطة تحقق الضمانات الدستورية وتحمي حقوق وحريات المواطنين، وتخفف عن كاهل المحاكم والمتقاضين.


إننا أمام مشروع قانون متكامل يتضمن نصوصاً تعزز من الخطوات الحثيثة التي اتخذتها الدولة المصرية في مجال حقوق الإنسان، وأتمنى سرعة الانتهاء منه وإقراره وإصداره نظرا لحاجة الدولة الماسة لإصدار هذا القانون في ظل ما اتخذته من خطوات في مجال حقوق الإنسان.

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة