يواجه المجتمع المصرى موجة عارمة من الأنماط الثقافية والفنية التى تحث الفرد على أن يتخلى عن ثوابته وقيمه الأصيلة ويستبدلها بمستورد يهدم النسق القيمى ويضعف الهوية ويعضد فكر تلبية الاحتياجات والرغبات دون وازع يحمى النسيج المجتمعى ويصون أخلاقه الحميدة التى يتوارثها من جيل لآخر، ومن ثم يتوجب أن توضع استراتيجية واضحة المراحل والمعالم تسهم فى مواجهة حالة التراجع والضعف الفنى والثقافى فى مجتمعاتنا، وهذا ما دعى إليه صراحة شيخ الأزهر بصورة واضحة.
ونثمن سعى وزارة الثقافة فى تحقيق استراتيجيتها التى تقوم على فكرة بناء الإنسان عبر التعاونات والشراكات التى تتكامل معها فى تحقيق الغاية المنشودة؛ فالأزهر منارة العلم والمعرفة ومنبر الاعتدال والوسطية فى العالم بأسره ورسالته السامية أساسها بناء إنسان قادر على الإعمار يحمل بين جنباته ووجدانه معتدل الفكر الوسطى المستنير، ويمتلك اتجاهات إيجابية نحو ماهية الدولة والعمل على بقائها من خلال عمل وجهد متقن متواصل.
والخطورة التى يستشعرها الجميع وفى المقدمة مؤسسة الأزهر الشريف ووزارة الثقافة المصرية تجعل هناك أهمية قصوى لأن تتكامل الرؤى وتتضافر الجهود فى تنمية الفكر الرشيد المعتدل الواضح والمسؤول لدى شباب الأمة المصرية ليستطيع أن يواجه كافة التحديات والمغريات التى تستهدف النيل من ثوابته ومعتقده الوسطى الذى يحض على التعايش السلمى وتقبل وحب الآخر.
ومواجهة حالة التقهقر الثقافى والتراجع الحضارى فى مجتمعاتنا ينبرى دون شك على ماهية أو فلسفة نشر الوعى الصحيح فى أنماطه المختلفة بتعاون وزارة الثقافة المصرية مع المؤسسات الأزهرية بربوع الوطن الحبيب وهذا ما أكده الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة للأمام الطيب شيخ الجامع الأزهر فى لقائهما بمقر مشيخة الأزهر الشريف.
وجدوى التعاون الثقافى الأزهرى يسهم فى تعزيز الهوية الوطنية، ويؤكد على تعزيز أواصر التعاون المستدام بين المؤسستين فى كل ما يخدم الدفع بعجلة العمل الثقافى المشترك ويخدم أيضًا قضايا بناء الإنسان المصرى ويحقق التطلعات الهادفة لتحقيق العدالة الثقافية التى ينشدها الجميع.
وهناك قاسم مشترك يؤمن به الجانب الأزهرى والثقافى يتمثل فى أهمية التصدى للأنماط الفنية والثقافية الغريبة التى اجتاحت مجتمعاتنا واستهدفت إقصاء الثقافة وتهميش دورها فى بناء الإنسان وتشكيل وعيه، وجعلت شبابنا معزولًا عن كل ما يغرس فيه الاعتزاز بهويته الدينية والأخلاقية والعربية، حتى أصبح عرضة وفريسة سهلة للاستقطاب والاستغلال من خلال قوى موجهة وأصحاب الأجندات للإضرار بمصالح الدولة وزعزعة الاستقرار، فى ظل تفشى أمراض الجهل وقلة المعرفة وغياب التعليم الجيد والمحتوى الإعلامى الهادف، وذلك ما أكده فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر.
ويعد التوافق حول وضع استراتيجية وطنية لمواجهة التقهقر الثقافى والتراجع الحضارى الذى تعانيه مجتمعاتنا وأثر بالسلب على النشء والشباب، والخروج بمنتجات ثقافية وفنية وإعلامية هادفة أمرًا حميدًا، وغرس طيب يأتى بثمرة يانعة؛ حيث نصل من خلالها إلى وضع حلول للأزمات المجتمعية ومن ثم طرح رؤى قابلة للتطبيق، والأزهر ووزارة الثقافة يمتلك كلا منهما المقومات التى تساعد فى ضخ دماء ثقافية جديدة، وإعادة احياء القيم وفى مقدمتها الحوار والتنوع وقبول الآخر والاحترام المتبادل.
وما تمتلكه المؤسستان الثقافية والأزهرية يساعد بصورة كبيرة فى بناء إنسان مالك للمعرفة الصحيحة لديه وعيًا سليماً مسؤول غير مشوب وفكراً صحيحاً مستنيراً ومهارات وخبرات تسهم فى الدفع بمسارات التنمية بمجالاتها المختلفة، وما يضمن نجاح الشراكة الأزهرية الثقافية يقوم على أهمية تفعيل وتكثيف التعاون بشأن بناء الإنسان المصري، واستحداث وسائل مبتكرة فى مجال التوعية والتثقيف والسماح بتسهيل الاستفادة بمواد وخدمات وإمكانيات المؤسستان المتوافرة وتقديم الجرعات الثقافية والفنية التى تحمى الفرد من صور التطرف والعنف والتغيب والإرهاب الفكري.
ونتطلع إلى أن التعاون الثقافى الأزهرى سوف يصل بقوة وسرعة إلى قاعدة جماهيرية كبيرة فى وقت قصير؛ فكلا المؤسستان وزارة الثقافة والأزهر يمتلكان العديد من الأماكن والهيئات التى تساعد فى إيصال ونشر الرسالة ومن ثم تحقيق الغاية المنشودة لجيل يستحق الرعاية والاهتمام بكل صوره وأنماطه فى كل وقت ومكان بربوع الوطن الحبيب.
أ.د/ مها عبد القادر
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة