نحو 28 شهرا منذ دعوة الرئيس للحوار الوطنى، شهدت الكثير من المناقشات والتطورات العلمية فى المحاور المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة أن الرئيس استجاب منذ البداية لتوصيات الحوار ومطالبه، بتفعيل لجنة العفو الرئاسى، التى نجحت فى خروج أعداد من المحبوسين بأحكام نهائية أو من خلال النيابة، أيضا دمج من خرجوا فى المجتمع وإعادتهم لوظائفهم.
وفى اتجاهات أخرى استجاب الرئيس لمطالب مثل الإشراف القضائى، أو توجيه بتعديلات قانونية أو تشريعات تتعلق بحق تداول ونشر المعلومات، أو مفوضية مكافحة التمييز، وغيرها، ووفى الرئيس بتعهداته فيما يتعلق بالتوصيات، وأخيرا بعد رفع الحوار الوطنى للتوصيات بشأن الحبس الاحتياطى والعدالة الجنائية إليه، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى بإحالة التوصيات للحكومة، وسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة، استجابةً لمناقشات الحوار الوطنى التى تميزت بالتعدد والتخصص، وقال الرئيس إن «استجابتى لتوصيات الحوار الوطنى نابعة من الرغبة الصادقة فى تنفيذ أحكام الدستور المصرى والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وأكد على أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطى، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطى كإجراء وقائى تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول لعقوبة، مع تفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطى المختلفة، وأهمية التعويض المادى والأدبى وجبر الضرر، لمن يتعرض لحبس احتياطى خاطئ».
وبهذا التوجيه يكون قد تم إنجاز أحد أهم الملفات المتعلقة بالحريات وضمانات التحقيق، لأن استمرار الحبس الاحتياطى إلى فترات طويلة، هو تعديل ارتبط بفترة معينة، وربما أيضا بالإرهاب ومرحلة انتقالية انتهت، بجانب أن الحبس الاحتياطى هو إجراء وقائى، يتعلق بالخوف من هروب المتهم أو التلاعب فى الأدلة، إلى آخر الخطوات، ومن هنا فإن المناقشات التى شارك فيها سياسيون وحقوقيون، انتهت إلى أن الحبس بلا سقف أمر يخالف الهدف من الإجراء، وأنه لا يجب أن يكون عقوبة، وهو ما تم التوافق عليه، وتم رفع التوصية التى استجاب لها الرئيس مباشرة، ووجه الحكومة بالتعديلات، وبمراجعة المناقشات التى تمت، فقد كانت كاشفة عن تباين بين تيارين كليهما يرى الحبس الاحتياطى، فتيار الأمن يرى أن هناك ضرورات تفرضها التحقيقات خاصة فى قضايا تتعلق بالإرهاب أو تهديد الأمن القومى، بينما تيار يبالغ فى إهدار أو التقليل من الإجراءات الوقائية فيما يتعلق بالتحقيق، بينما القانون يفترض أنه يوازن بين الضمانات وحماية الأمن، وبين ضمان الحريات وعدم الاعتداء على حقوق المتهم الذى هو «برىء حتى تثبت إدانته»، وأيضا يفترض أن يكون هناك تعويض لأى برىء يتعرض لحبس خاطئ.
كل هذه التفاصيل مهمة وكاشفة عن أهمية الحوار بشكل عام، وأن كل القضايا قابلة للنقاش ويمكن حلها بالحوار والمشاركة، والاختلاف والتنوع، يعكس اختلاف وجهات النظر، لكل منها أدلتها وعناصرها، وبالتالى نجح الحوار فى عدد من الملفات، كان من الصعب تصور إحداث تغيير فيها، وبالتالى فإن الحوار نجح فى بناء جسور ثقة ما كان يمكن أن تقوم بغير تنوع الآراء والأفكار، وهى نتائج تحققت بشهادات أطراف سياسية وحقوقية، بدأت المشاركة من زاوية التشكك، ومع الوقت اكتشفت جدية وتفاعلا، ونجحت فى تحقيق أهداف مهمة وتطورات فى ملفات معقدة، وبالتالى فإن الحوار يعبر أيضا المسافة بين الفكر النظرى والممارسة العملية، ويقدم تجربة فى التفاعل والممارسة، بينما تجمد عدد آخر عند نقاط صماء فشلوا فى تجاوزها، وبقوا عند ترديد لكليشيهات لا تمثل أى تطور ولا تعنى شيئا، فى ظل تحولات تجتاح العالم يفترض أن يكون هناك استيعاب وتفاعل معها.
وتمثل الاستجابة لتوصيات الحوار فيما يتعلق بالحبس الاحتياطى، خطوة فى سياق كامل يتعلق بإغلاق الثغرات، وتوسيع المجال العام، وضمان حقوق المتهمين والأبرياء، والمجتمع.
اليوم السابع