في زيارة إلى نيروبي منذ سنوات رأيت تمثالا يتوسط الميدان الذي يطل عليه الأرشيف الوطني الكيني فسألت مرافقتي في الزيارة عن هذا التمثال الفريد الذي لم أر تقريبا غيره في نيروبي فأجابتني إنه توم مبويا الأب الروحي للتعليم في كينيا الذي اغتيل في الخامس عشر من أغسطس عام 1969 عن عمر لم يتعد التاسعة والثلاثين، ليختم بذلك مبكرا طريقا طويلا من النضال الذي بدأه منذ شبابه.
كان توم مبويا واحدا من أهم المناضلين من أجل استقلال كينيا، حيث كان الشاب المولود في عام 1930 أحد قواد مفاوضات الاستقلال التي تمت في لانكستر هاوس عام 1960، وكان له دور فعال في إنشاء الاتحاد الوطني الأفريقي الكيني، وكان واحدا ممكن اهتموا بإرساء ركائز الدولة الكينية، زعيما نقابيا ومؤسسا لحركة المجتمع المدني ووزيرا للعدل هناك، وواحدا ممن أرسوا دعائم العمل المؤسسي في الدولة الكينية كما كان محاربا شرسا ضد الفساد.
لكن الأهم من ذلك كله أنه كان واحدا من أهم رواد التعليم في كينيا.
أنشا توم مبويا أول منظمة عمالية في عموم أفريقيا، وهي المنظمة التي عملت في أواخر الخمسينيات من أجل خلق فرص تعليمية للطلاب الأفارقة، وهو العمل الذي أثمر في عام 1960 عن برنامج كينيدي للمنح الدراسية الذي أفاد منه عدد كبير من الطلاب في كينيا للدراسة في جامعات شرق الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أهم الطلاب الأوائل الذين سافروا ضمن هذه البرامج باراك أوباما الأب، ووانجاري ماثاي الكينية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام بسبب دعوتها لحماية البيئة.
لم يكن مبويا إذن مجرد زعيم سياسي لكنه ذلك الرجل الذي عرف كيف يحدد احتياج مجتمعه، وعمل على تحقيق هذا الاحتياج بكل ما أوتي من قوة، فاستحق محبة تاريخية خلدته في قلوب أبناء وطنه، ليصبح تمثاله مزينا الميدان الذي عرف باسمه في وسط نيروبي، أمام واجهة الأرشيف الوطني الكيني.
لقد علم أن التعليم سر النجاح واهتم به، فكانت كينيا من أكثر الدول الأفريقية اهتماما بالتعليم ونظامه وتطويره، وبنى ركائزه التي تحترم الخصوصية الثقافية الكينية في الوقت الذي تنفتح فيه على العالم، فكانت واحدة من أنجح التجارب الأفريقية في تطوير التعليم، وأثمرت عددا كبيرا من الفلاسفة والعلماء في مختلف التخصصات.
لم تكن حكاية توم مبويا سوى نموذج دفعني إلى بداية مشروع جديد موجه إلى أفريقيا ومنها – وكنت وقتها رئيسا للهيئة العامة للكتاب – فبدأنا سلسلة كتب عنوانها رموز أفريقية، موجهة للأطفال، ركزت على أهم الشخصيات الأفريقية من كل الدول، والذين كان لهم دور تنموي في أفريقيا، سلسلة من الكتب يقرأها أطفال أفريقيا بلغاتهم كما يقرأها أطفال مصر في الوقت ذاته لتكون جسرا ذا اتجاهين بينهما، واهتمت بحكايات شخصيات مثل مانديلا وسينجور وكوفي عنان وغيرهم.
وكانت بداية هذه السلسلة كتاب توم مبويا.. التعليم سر النجاح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة