إذا كان هناك أمر تكشفه مشاجرة الفنان والطبيب فى مستشفى عين شمس التخصصى، فهى توظيف مواقع التواصل وزوايا التصوير ليبرهن كل طرف على وجهة نظره أنه معتدى عليه، بينما الحقيقة كاملة لا يمكن استنباطها من بوست واحد، بجانب أن هناك من يتخذ موقفا مع أو ضد، لمجرد رؤية زاوية واحدة من التصوير، بينما الصورة الكاملة تشير إلى عكس ما تم إطلاقه فى البداية، فقد سارع الطبيب وزملاؤه بنشر فيديوهات مصحوبة ببوستات تعلن أن الفنان هو الذى هاجم المستشفى وسب وضرب، وبالفعل تعاطف جمهور كثير مع الطبيب والمستشفى، وسارعت نقابة الأطباء بالانحياز إلى العضو ودافعت عنه وتبنت وجهة نظره، ونفس الأمر فى المستشفى وخلت البيانات من إعلان اجراء تحقيقات.
بعد ساعات من تسويق قصة المستشفى والطبيب ظهرت فيديوهات أخرى تحمل زوايا أخرى للتصوير وبداية الواقعة أن الطبيب هو من بدأ الاعتداء، وبشكل يتنافى مع الرواية الأولى، بل إن الطبيب يبدو أنه تجاهل الفنان وهو يطمئن على حالة شقيقه، وأنه تلقى «تليفون» وحضر ووجد شقيقه فى الطوارئ وطلب المستشفى 70 ألف جنيه كشرط لدخول المريض، وهو أمر يعلمه كل من تعامل مع المستشفى الذى يفترض أنه يتبع جامعة عين شمس لكنه ليس مجانيا بل هو استثمارى، بأسعار القطاع الخاص.
الشاهد ان الصورة الكاملة من زواياها المتعددة تشير إلى انفعال مشترك، بل وطريقة غير لائقة من الطبيب، وبالتالى فإن الانفعال هنا مشترك، بجانب أن ترويج الرواية الأولى كان فيه تنمر وتحريض على الفنان الذى يتضح من مشاهدة كل الفيديوهات أنه تعرض للإهانة والضرب أولا، وانه كان يتصرف برد فعل وخوف طبيعى، وهو هنا جزء من مشاجرة وليس معتديا، فقط، وهو ما سوف تكشفه التحقيقات الكاملة ومراجعة الكاميرات التى يفترض أنها تنقل الوقائع كاملة، وأن هناك فريقا استبق تقديم رؤيته وإدانة الطرف الآخر.
وهنا نعود إلى القضية الأساسية أن البعض غالبا يستعمل السوشيال ميديا لتقديم وجهة نظره ومن زاويته، ويقتطع الصور والفيديوهات التى تدعم وجهة نظره، وأن هناك جمهورا جاهزا للتعاطف واتخاذ مواقف وشتم طرف قد يكون هو المجنى عليه.
الجزء التالى هو أنه ومع إدانة أى اعتداءات على الطواقم الطبية، فمن بين هذه الطواقم من يتلبسه غرور وصلف أو استعجال العمل فى أكثر من مكان ولا يراعى الكثير من القواعد، ولا الحالة النفسية لأهالى المرضى، بل وكثيرا ما يتم تعطيل دخول مريض قبل سداد المبالغ المطلوبة، وهو أمر يتعارض مع قوانين الطب التى تجبر المستشفى على استقبال وعلاج مريض الطوارئ فى الحالات الحرجة.
الظاهرة الواضحة أن نقابة الأطباء لا تنتظر للتحقيق، وإنما تعلن دعم ومساندة عضوها ظالما أو مظلوما، بينما يفترض أن تكون الجامعة والمستشفى والنقابة جهات تحقيق هدفها الحقيقة، ولا يمكن الاستناد إلى صحة موقف شخص لكونه متفوقا أو أول دفعته، فالحقيقة أن أباطرة كثيرين ومستغلين فى هذا القطاع، هم أيضا من المتفوقين، حولوا الأمر لتجارة.
الدرس الذى يجب أن يستوعبه الجميع، أن الاعتماد على زاوية واحدة للنشر فى مواقع التواصل لا تكفى للإدانة او البراءة، وأن التحقيقات الكاملة من نيابة جنوب القاهرة، سوف تفرغ كل الكاميرات، وتشاهد وتستمع للشهود لتعرف المخطئ وتوجه إلى حسابه، وأن تشمل التحقيقات ما إذا كان هناك تأخير لدخول مريض الجلطة لحين سداد المبالغ المطلوبة، وهو خطأ يجب تجديد تنبيه المستشفيات إليه.
الجانب المهم هو عدم الاعتماد على فيديو واحد وزاوية واحدة وانتظار كل الصورة، لإعلان الموقف، بعيدا عن التنمر والتعالى من أى طرف. حماية الطواقم الطبية أمر مفروغ منه، لكن حماية المرضى وأهاليهم أمر أيضا له أهميته، حتى لا يتحول الأمر إلى مبارزة بالفيديوهات المقطوعة، لتبرير وجهة نظر واحدة.
قد ينتهى الأمر بالصلح أو بالتحقيقات لكن تبقى عدة تفاصيل مهمة تتعلق باحتقان اجتماعى، وتنمر وفئات كل منها تتعالى أو تشعر بلا انتماء، ومهن إنسانية كالطب تحولت إلى تجارة، بعيدا عن الأخلاق والقيم.
مقال أكرم القصاص بالعدد الورقى