مجدى أحمد على

يا سينما يا غرامى

يوسف شاهين "4"

السبت، 24 أغسطس 2024 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

توقف تصوير "بونابرت" يومين حدادا على مصرع الفنان فريد محمود والذي مات بانفجار لغم أثناء رحلة في الصحراء، وحكى لي الصديق المخرج والمنتج شريف مندور الذي كان وقتها يعمل بقسم الملابس أنهم كانوا في رحلة خاصة إلى العين السخنة حين طلب فريد من السائق التوقف للتبول، واتجه فريد نحو الصحراء ولم ينتبه إلى لافتة تشير إلى أن الأرض بها ألغام من مخلفات الحرب، وسمع الجميع الانفجار، ورأى الجميع صديقهم يطير في الهواء، وتوفى بعد لحظات من وصوله إلى المستشفى.. كان فريد محمود صديقا عزيزا وممثلا واعدا.. كان محبوبا من كل العاملين بالفيلم، وكان دوره في بونابرت الذي لم يكتمل هو آخر أفلامه.. عبر يوسف شاهين عن حزنه بالطبع، ولكني تمنيت أن يشير إلى مصرعه بأي طريقة داخل تترات الفيلم وهو ما لم يحدث للأسف.

عدنا إلى العمل مع باقي الفريق شديد التنوع والمهارة، ولكني أتذكر الآن قمتين تشرفت بصداقتهما فيما بعد، هما تحية كاريوكا ومحسنة توفيق، فلم تكن صدفة أنهما ساهمتا في اعتصام الفنانين بنقابة السينمائيين احتجاجا على القانون 103 "وهو موضوع سوف أتناوله بالتفصيل فيما بعد".. كانت تحية تضفي جوا شعبيا مرحا على الاستوديو رغم جديتها الشديدة، وكان "التفاهم" بينها وبين "جو" شديد الوضوح.. كانت تتحدث الفرنسية بطلاقة "هكذا ظننت" خاصة مع جو ويسري الذي كان مسئولا عن "تحفظيها جمل الحوار.

وحين تدور الكاميرا كانت تحية ترتجل بعض الكلمات لصعوبة حفظ الكلمات الأصلية في السيناريو.. وكان "جو" الذي لا يهتم كثيرا بحرفية النص يتجاهل ذلك إلى أن تزايد الأمر لدرجة أزعجته، فأوصى يسري بأن ينبهها إلى ذلك.. وفعل المساعد المخلص ذلك دون كلل تقريبا في كل لقطة.. وكان جو مضطرا لإيقاف الكاميرا إلى أن انفجرت تحية في إحدى المرات ووجهت قذائفها إلى يسري بالطبع: إيه هو قرآن؟ هو ده حوار يتحفظ جتكو نيلة..إلخ لم يرد يسري بالطبع ونظر نحو جو الذي تظاهر بالانشغال بأمر آخر لكي تمر لحظة التوتر.

وعندما داعبنا "رضوان وأنا" جو بأنه لم يهرع لنجدة مساعده ضحك قائلا: ياعم ده الشبشب اترفع في وش الملك..تحية تعمل اللي هي عايزاه..في الحقيقة كان هذا الموقف درسا لم يستوعبه كثير من الأجيال التي أعقبت يوسف شاهين في ضرورة التعامل بشكل حساس ومختلف مع الممثل، فكان جو يرى أن الممثل الحقيقي هو كتلة من الأحاسيس المعقدة، وأن جهازه العصبي يستوجب المراعاة لكونه هو الذي يحمل رسالة الفيلم في النهاية بأدائه تكتمل كل العناصر من تصوير وإخراج وسنياريو..إلخ.. لا بد من مراعاته وتحمله والصبر عليه.

كنت دائما أحاول أذكر نفسي والمخرجين الذين عملت معهم بدرس يوسف شاهين، فلم أكن أفهم مثلا عصبية محمد خان التي تصل إلي "حمل المسدسات" مع أحمد زكي ولا عدم قدرة الصديق علي بدرخان على تحمل "سعاد حسني".. وهما أكبر موهبتين منحتهما لنا السينما المصرية، وكنت أرى أن لقطة قريبة لأحدهما على الشاشة تستحق أن نتحمل ونصبر، بل وأن ندلل، فالموهبة بحاجة إلى كثير من الامتنان والتقدير.. ولكن صبر يوسف شاهين أحيانا كان يشعرني بالغضب "غيرة" عليه وعلى مكانته بيننا.. عندما يجادله شخصية فرنسية تلعب دورا صغيرا بالفيلم لدرجة الإصرار على عدم تنفيذ اللقطة بالطريقة التي يراها شاهين مهددا – بوقاحة – بترك الفيلم لنفاجئ بأن جو مرر هذه المناقشة واستكمل التصوير ربما رغبة في عدم إثارة المشاكل مع الجانب الفرنسي.


أيضا تقرر بشكل مفاجئ تصوير مشهد لم يكن في جدول العمل يحتوي على لقطات لشخصية ترتدي عصابة سوداء على إحدى عينيه.. ولما لم أكن أحضرت معي أوراقي الخاصة بهذا المشهد فإني ترددت قليلا عندما سألوني في قسم الملابس عن العين المغطاة بالعصابة السوداء فقلت من الذاكرة التي كنت دربتها سنوات أنها العين اليمني، لكن الفرنسي كان متغطرسا وسخيفا جادل أنها العين اليسري، وطبعا وقعت في حرج افتقادي الدليل من أوراقي، ولكن "جو" هذه المرة أنصفني ودعمني بأن قال حاسما الموقف "هذا هو المساعد المسئول وأنا مجبر على تصديقه" وانتهى الأمر على خير وتم تصوير المشهد الذي لم أنم بعد انتهاء تصويره حتى توجهت بمجرد دخولي المنزل فجرا إلى أوراقي وتأكدت أن ذاكرتي لم تخونني.. وحملت الأوراق في اليوم التالي لجو مطمئنا، فقال "إنه كان متأكدا".

كان موضوع "الراكور" لا يعني جو كثيرا، وكان يقول بسخرية أن "من يترك كل الإخراج والأداء والتصوير ويركز على بقايا سيجارة مشتعلة أو كأس به عصير أو حتى نقش في كرافته فهو لا يريده أن يشاهد أفلامه ولا يريد ثمن تذكرته".. ولكني تربيت مع خان وخيري وغيرهما على أهمية موضوع "الراكور" باعتبار أخطائه تجعل المتفرج "يخرج" من حالة الاندماج مع الشاشة وبالتالي حالة التواصل مع الفيلم.


وبمناسبة الحوار الذي لم يكن يروق لتحية كاريوكا وكانت "تتصرف" فيه.. كنت مع رضوان أيضا نراقب جمل الحوار في الفيلم محاولين تصحيح بعض الكلمات بصفتي فلاحا وبصفة رضوان صعيديا هبطنا إلى القاهرة.. فلم نكن نستسيغ مثلا أن تقول أحد شخصيات الفيلم مخاطبا المجاميع "روقوا"، وكان التعبير لبنانيا والفرق طفيف بينه وبين التعبير المصري الذي هو "روّقوا" بالشدة على الواو..!! وأتذكر أيضا أني كنت أقول لجو عندما يشتم البعض "ومنهم صحفيين ونقاد وإعلاميين" بأنهم "حمره" بكسر الحاء أن الصحيح حمير فكان رده: إنت كمان حمار










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة