جاءت توجيهات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى برفع توصيات الحوار الوطنى بشأن الحبس الاحتياطى إلى الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيالها بالعديد من الدلالات، إذ تُعد بالفعل انتصارا واضحا لوعد سيادته فى بداية الحوار الوطنى قبل نحو عامين، بترجمة مخرجاته إلى قوانين وتشريعات وقرارات تستهدف الانتقال بالعمل السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى مصر إلى آفاق جديدة، كما أنها تبرهن على مدى ما وصلت إليه الدولة المصرية من استقرار ورسوخ، إذ يؤكد سيادته أن هذه الاستجابة نابعة من الرغبة الصادقة فى تنفيذ أحكام الدستور المصرى والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
من جهة أخرى، فإن هذه الخطوة تعتبر نقلة نوعية على مسار تحقيق العدالة الجنائية وضمان حقوق الإنسان، كما تعد إجراء حاسما نحو إنجاز إصلاحات جذرية فى النظام القضائى المصرى، وهو الأمر الذى لا بد من أن تكون له نتائج إيجابية على تحسين مناخ الاستثمار فى مصر وتشجيع القطاع الخاص وجذب رؤوس الأموال العربية والأجنبية التى طالما تطلعت إلى إحداث تغييرات هيكلية فى النظام القضائى المصرى، وقد عدَّ الكثيرون ذلك انتصارا لتيار حقوقى كان ولا يزال يؤمن بأن الطريق الوحيد لضمان حقوق الإنسان فى مصر وتهيئة البيئة السياسية والاقتصادية هو تفعيل الآليات الوطنية والحوار الدائم والمستمر مع الدولة ومؤسساتها.
ويلفت النظر بشدة فى قرار الرئيس أنه يؤكد تفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطى المختلفة، وإشارته إلى أهمية التعويض المادى والأدبى وجبر الضرر لمن يتعرض لحبس احتياطى خاطئ، وهو ما يشى بمدى انفتاح رئاسة الجمهورية على الآراء كافة، التى جاءت ثمرة للحوار الوطنى بين مختلف القوى السياسية، وهو من وجهة نظرى يسد ثغرة حاولت القوى المناوئة للاستقرار فى مصر سواء من الجماعة الإرهابية وأعوانها أو المنظمات الدولية ذات المصلحة التى لها أجندات خفية، النفاذ منها فى عديد من المواقف والمناسبات.
وللحقيقة فإن هذا القرار هو بمثابة إغلاق لملف طال انتظاره والجدل حوله، ومثل رغبة ملحة لأطراف عديدة لا تسعى إلا لتحقيق المصلحة العامة، من ثم يأتى التطلع إلى تحرك مرتقب للسلطات للإفراج عن المحبوسين احتياطيا لفترات طويلة وخاصة فى قضايا تتصل بالشؤون العامة، ورفع التحفظ على تصرفهم فى أموالهم، مع النظر فى معالجة تداعيات الحبس وتبنى مسار للتأهيل والإدماج وإعادتهم لوظائفهم ودراستهم.
ولا يفوتنى فى ظل صدور هذا القرار الذى يحمل الكثير من المعانى، ويتزامن مع تنفيذ برامج إصلاح اقتصادى واجتماعى على الأصعدة كافة، إلا أن أُذكّر بأن الدعوة للحوار الوطنى جاءت تأكيدا لقوة الدولة المصرية وصلابتها فى مواجهة جملة من المخاطر والتحديات، داخلية وخارجية، وهى تقريبا على كل الحدود المصرية، فى الشرق والغرب وفى الجنوب، الأمر الذى حتم ضرورة إيلاء كل الآراء الوطنية المخلصة الاهتمام الواجب، إذ تستمد الجمهورية الجديدة ثباتها وقوة مواقفها من وجود زعامة رشيدة يلتف حولها شعب يعى جيدا ما يدور حوله ومن يتربص به، وهو عازم على مساندة قيادته ودعمها فى سعيها الحثيث لتأمين مصر أرضا وشعبا ومصالح. هذا الأمر تجلى بعمق فى الاستجابة الواضحة لدعوة الحوار من قبل جميع القوى، وحرصها على مناقشة كل الأفكار والآراء حول مستقبل بلدنا السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى وغيره، ما أسفر عن هذه المخرجات بالغة الأهمية.
وفى الأخير فإن حالة الحوار التى تحرص عليها الجمهورية الجديدة هى مكسب كبير للجميع، فضلا عن الرسالة التى تبعث بها، والتى مؤداها أن الدولة المصرية باتت على أعلى درجة من الرسوخ والثقة.