فى الوقت الذى نسعى فيه جميعا إلى التجديد فى الخطاب الإعلامى بما يتناسب مع التطورات المذهلة فى تكنولوجيا المعلومات ولكن بصورة تضمن المصداقية وجودة المحتوى، نجد أن هناك عوائق تصطدم بمسيرة التجديد الذى أصبح هدفا أساسيًا الآن فى سبيل تطور وتحديث المجتمعات.
ومن أهم هذه النماذج التى تقيد مسيرة تجديد الخطاب الإعلامى هو صورة المرأة فى الإعلام وليس فى مصر فقط وإنما فى الإعلام العربى كله. وتشير نتائج ورقة بحثية حديثة تحت عنوان الاتجاهات النقدية للإعلام العربى فى دعم قضايا التجديد "صورة المرأة نموذجًا" قدمتها فى مؤتمر التجديد العربى بتونس مؤخرا.
إنه فى إطار العمل على دعم مسارات الخطاب الإعلامى يجب التيقن أن ما يقدم فى وسائل الإعلام إنما هو مرآة عاكسة لحضارة المجتمع وثقافته، وأن الصورة التى تقدم بها المرآة ما هى إلا تعبير عن اتجاهات أفراد المجتمع الذى تنتمى إليه وتتعامل مع أبنائه فى علاقة تفاعلية تبادلية، وأن ما يقدم فى تلك الوسائل إنما يعبر عن أفكار وتصورات مغزى تلك المادة وليس عن الواقع الحقيقى الذى تعيش فيه المرآة فى مجتمع اليوم.
لذلك فمن الضرورة إعادة النظر فيما يقدم من تلك الوسائل، ومحاولة توظيف المادة الاتصالية التوظيف الأمثل بما يعمل على تغيير الاتجاهات والأفكار السائدة عن المرأة لدى أفراد المجتمع، وذلك حتى يقدم صورة حقيقية عنها، ويقدمها فى إطار يعبر عن واقعها المعاش من ناحية، ويعمل على النهوض بها حتى تصبح تلك المادة الإعلامية بمثابة المعين الحقيقى لحركة تقدم المرآة، وبالتالى تقدم المجتمع كله، حيث إن المرأة هى نصف المجتمع وتشترك فى بناء النصف الثانى أُمًا وزوجة ومسئولة.
إن صورة المرأة فى وسائل الإعلام قد حظيت كثيرا باهتمام الباحثين الإعلاميين العرب، ويثار معها التساؤل: لماذا الاهتمام بصورة المرأة فى الإعلام دون الاهتمام بصورة الرجل؟ وهل يعنى الاهتمام بالتعرف على صورة المرأة دون الرجل نوعا من التمييز ضد المرأة يضاف إلى أشكال ومظاهر التمييز الأخرى التى تعانى منها؟
وهل قدمت قضايا المرأة العربية فى إطار مرجعى من منطلق مفهوم التجديد آم انحصرت المعالجات فى قوالب تقليدية بالية.
والإجابة ببساطة إنه من المعروف عالميا أن هناك خصوصية تاريخية ومجتمعية لواقع المرأة ومشاكلها فى المجتمع مقارنة بوضع الرجل والأدوار التى يقوم بها، فهناك قطاعات واسعة فى كثير من البلدان من الفتيات والسيدات لم يحصلن على حقوقهن فى التعليم والعمل والممارسة السياسية، ويتعرضن لمظاهر شتى من الاعتداءات والتمييز المادى والمعنوى، وبالتالى فإن استمرار مشاكل المرأة فى المجتمع يفرض على وسائل الإعلام الاهتمام بمناقشتها والبحث عن حلول لها.
ولكن الملاحظ وهو المدخل الفرضى التى اعتمدت الورقة البحثية بأنه يتم رصد اتجاهات رئيسية تبرز فى الدراسات العربية والخاصة بملامح صورة المرأة كما تقدمها وسائل الإعلام المختلفة عبر المضامين والأشكال الإعلامية المعروفة من أخبار وتقارير وصور ومسلسلات إذاعية وتليفزيونية وبرامج ترفيهية أو تثقيفية وأفلام، وهى اتجاهات تقليدية غير مجددة او متطورة ولا تتناسب مع الأدوار الكبيرة التى تقوم بها المرأة المصرية والعربية الآن فى صياغة المستقبل العربى فلا زال هناك للأسف التركيز على المرأة كجسد، والاهتمام بالمظاهر الحسية فى تصوير جمال المرأة ودورها فى المجتمع والاعتماد على صورة المرأة فى شكل الخارجى الجميل فقط كنموذج تخاطب به وسائل الإعلام، والإعلان خصوصًا، جمهور المرأة العربية كى تقلده وتصبح مثله وزاد من تكريس هذه الصورة السلبية الانفلات الغير مسبوق والغير واعى لتكنولوجيا مواقع التواصل الاجتماعى التى أصبحت متاحة لكل شخص حتى لو افتقر لمعايير المهنية الاعلامية وبلا رقيب لتنظيمات أكواد السلوك الإعلامى تستهدف فقط الحصول على الربح المادى بدون أية اعتبارات أخلاقية أو اجتماعية أو غيرها.
وتم حصر صورة المرأة العربية فى الأدوار التقليدية التى تقوم بها وتقوم هذه الصور على تشويه واقع ومكانة المرأة العربية ودورها، إما بالمبالغة والتهويل، أو التقليل والتهوين من وسائل الإعلام العربية على خطاب تقليدى فى التعامل مع المرأة يؤكد أدوارها التقليدية فى المجتمع خاصة دورها الاستهلاكى، ويركز هذا الخطاب على مواضيع الموضة والتجميل والأزياء والطهو والرشاقة والإنجاب والتربية. وهى مواضيع قد لا تهم قطاعات مؤثرة من الفتيات والنساء، كما أنها لا تشجع المرأة على المساهمة فى جهود التنمية أو تمكنها من ممارسة حقوقها القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع قلة ظهور النماذج الإيجابية للمرأة مقارنة بالنماذج والأدوار السلبية أو التقليدية.
ومن هنا يجب الدعوة إلى بناء أطر تجديد وتحديث فى صورة المرأة فى الإعلام المصرى والعربى كنموذج لمعالجات إعلامية تبنى على أطر التجديد لقضايا المجتمع العربى يساهم فيه جميع قطاعات الامة العربية فى إعادة بناء الوطن العربى.
من خلال إبراز النجاحات النسائية المختلفة فى كافة المجالات التى تتولاها المرأة بنجاح كبير، فيجب عمل انتاج إعلامى متميز يستفيد من تكنولوجيا الاعلام الرقمى الحديثة فى انتاج متميز برسالة جادة ومضمون هادف وقوالب إخراجية جاذبة ومشوقة.
وفى بناء فكر عربى حديث يستلهم قيام التراث العربى المشرقة ويستوعب مشاكل الحاضر ويواكب التطور العالمى فى مختلف المجالات.
ويعتمد العلم ونظام المعرفة والتكنولوجيا الرقمية واقتصاد المعرفة وسلطة العقل وأحكام المنطق سبيلاً لتحقيق فكرته الملهمة فى بناء مجتمع المعرفة الحديث والمواطنة العربية الصحيحة
وتصبح فيه المرأة فى مقدمة الصفوف تحتل مكانتها وتتحمل مسئوليتها بكفاءة واقتدار فى ظل بيئة مجتمعية إيجابية داعمة لتفوقها وتميزها. وعطائها فى بناء المستقبل.