أكرم القصاص

أرباح وخسائر وأوهام حرب غزة بدون تهوين أو تهويل!

الخميس، 29 أغسطس 2024 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كل المعطيات تشير إلى أن الحرب فى غزة هذه المرة تختلف عن جولات ومواجهات سابقة، وتمثل تحولا كبيرا فى تاريخ الصراع، يتطلب أن تسعى الأطراف المختلفة الى تفهمه ومعرفة دروسه حتى يمكن أن تكون هناك خبرة، وربما يكون أكثر عناصر الصراع العربى الإسرائيلى لأكثر من 7 عقود هو حجم الأخطاء التى تكررها الأطراف المتنوعة بشكل منهجى طوال عقود، أخطرها هو حجم الادعاءات والمبالغة فى تصوير القوة، أو أوهام تحقيق انتصارات، مع تغييب دور السياسة، أو التقليل من شأن السياسة.  


أما الخطأ الدائم فهو عدم تقدير الوقت السليم لتنفيذ عملية، أو التوقف أو قبول العروض، مع الرهان على الأطراف الخطأ، وفى هذه المواجهة الحالية، راهنت الفصائل على أطراف إقليمية أو قوى مختلفة مثل إيران وحزب الله، بينما الممارسة كشفت عن توجه جديد لدى الطرفين بتلافى الدخول فى مواجهة شاملة، وحرب واسعة مثلما كانت التهديدات السابقة.


وطبيعى أن  تسعى كل الأطراف إلى تحقيق أهداف انتخابية وسياسية، لكن عملية طوفان الأقصى، تحولت إلى قشة تعلق بها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ليعبر أزماته السياسية، ونجح فى توظيف « طوفان الأقصى» لنشر الرعب داخل المتطرفين بالمجتمع الإسرائيلى، وأباد أكثر من 40 ألف طفل وسيدة ودمر كل إمكانيات الحياة فى غزة، واتخذها ذريعة لرفض الدولة الفلسطينية، والسعى لتنفيذ مخطط التهجير والتصفية، وبالتالى فإن أى تقييم لعملية طوفان الأقصى، يجب أن يضع فى اعتباره ما تحقق من مكاسب إن وجدت، مقابل ما تم من دمار وخسائر، وأهمية الاستماع لكل الأطراف فى غزة، وليس فقط المحاربين، لأن شهادات الناس على الأرض، بعيدا عن الكاميرات والأضواء كاشفة عن معاناة تتجاوز رد فعل على طوفان الأقصى إلى دمار شامل واستدعاء خطط تهجير وتصفية.


أهم درس من هذه الحرب أنها أنهت افتراضا سابقا بأن جيش الاحتلال لا يمكنه الحرب لأكثر من أسابيع، فقد واصل الجيش حربه لأكثر من عشرة شهور، وفتح المواجهة على أكثر من جبهة، ومع هذا فإن المواجهة تقود إلى أن حرب نتنياهو هدفها الاستمرار فى الواجهة، وأنه أيضا وقع فى شباك الادعاءات والتهديدات، بينما كسر كل ما يمكن اعتباره وازعا أخلاقيا للدولة عموما، فقد تجاوزت الحرب فى غزة كل الخطوط الأخلاقية والإنسانية، وأعادت إسرائيل إلى صورة العصابات وليس سلوك الدول، وهو ما كشفته محكمة العدل الدولية والجنائية، والتحركات والتظاهرات فى دول العالم، حتى الداعمة منها لإسرائيل. 


ومن أكثر ما تكشفه الحرب، هو الفرق بين التهديدات والخطابات الحماسية للاستهلاك الإعلامى والواقع العملى، حيث ظل التصور أن إيران يمكنها الدخول فى مواجهة كبيرة مع إسرائيل، بينما الممارسة أكدت وصول إيران لقناعة بأن الحرب الشاملة ليست فى صالحها، وابتعدت وحرصت على جعل العمليات والمواجهات فى إطار الرد والانتقام وليس الحرب.


فيما يتعلق بحزب الله، فقد حرص الأمين العام الشيخ حسن نصر الله على تأكيد أن هجمات الصواريخ كانت ردا على اغتيال فؤاد شكر، بل وبالرغم من أنه حاول تصوير ما يجرى من عمليات شمال إسرائيل كان بهدف مساندة جبهة غزة، فإن الواقع يؤكد أن غزة تم تدميرها عدة مرات، وأن الاشتباكات مع حزب الله لم تخفف القصف ولا أنهت الاحتلال وبالتالى فقد كانت الحرب كاشفة عن قوة كل طرف بشكل فاعل، وأن السياسة هى الحاكمة فى سلوك تعامل إيران أو حزب الله، بعيدا عن التهديدات والبيانات الحماسية.  


أما فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة، فقد كانت الحرب فى غزة كاشفة عن دعم أمريكى غير محدود، وإبعاد أى تصور عن دور للولايات المتحدة كقوة عظمى، أو وسيط يمكنه التدخل لوقف الحرب، بما يقدمه من دعم كامل لإسرائيل، وقد وظف نتنياهو الانتخابات الأمريكية لممارسة أكثر عمليات الابتزاز، لكن الحرب كشفت عن علاقة أكثر متانة وتعقيدا مما يظن أى طرف، وبالتالى فقد وظفها الديمقراطيون وزايدوا على الجمهوريين، بينما خسر الطرف الأضعف، الذى يبدو أنه ليس لديه تصورات بعيدا عن أوهام الدعاية.


الشاهد أن هذه الحرب تكشف عن أوهام وتحولات لكل الأطراف وتستدعى عقلا يفكر، ويحسب بوضوح ما الذى تحقق، بعيدا عن التهوين أو التهويل.


 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة