شهد العالم على مدار السنوات الأخيرة تغييرات عدة فى المصطلحات والمفاهيم السياسية والاقتصادية فى ظل مُتغيرات طرأت على الفكر الاستراتيجى لكثير من القيادات السياسية حول العالم، فبدأت الدول العظمى فى إدراك تداعيات الحروب العسكرية على أرض الواقع، وما يُمكن أن تتسبب فيه من خسائر، ليس فقط على المستوى البشرى والنفسى لجيوشها وشعوبها، وإنما أيضًا الاقتصادى بما يؤثر بشكل مباشر على مسيرتها السياسية والتنموية التى أصبحت متطلبات الحياة فى حاجة إليها بشكل مُلح، فما نعيشه من تطورات تكنولوجية وتقنية وأحداث مُتغيرة بات يحتاج إلى كثير من التنمية والتطوير بالبنية التحتية لأى دولة حتى تكون دائمًا على استعداد لما يواجه العالم من تحديات بسبب حروب الجيلين الرابع والخامس وأيضًا الحروب البيولوجية، بالإضافة إلى ما ينتج من تداعيات جراء التغيرات المناخية.
ولعل إسرائيل جاءت فى مقدمة الدول التى سريعًا ما طورت من نهجها اعتمادًا على اتباع سياسات ذات المدى البعيد، والتى فى مقدمتها تأتى الحروب الاقتصادية الباردة، فبعد أن كانت الحروب ترتكز على المواجهات المباشرة أو غير المباشرة عسكريًا أو أيديولوجيًا أو سياسيًا، اتجهت إلى الحرب الاقتصادية بشكل غير مباشر، وهو ما نراه فيما يحدث بفلسطين، حيث تم الحصار التام على الأشقاء على مدار سنوات بالبطىء، سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية.
وبات الأمر الآن واضحًا للجميع، فطالما فرضت سلطات الاحتلال الضرائب والرسوم على الفلسطينيين خاصة بالضفة وعلى «المقدسيين»، إلى جانب الهدم والتدمير وانتزاع الممتلكات منهم، وأيضًا تسريح العمالة الفلسطينية ومنع دخول الفلسطينيين إلى العمل فى إسرائيل، وتأثر القطاعين السياحى والتجارى الفلسطينيين بشكل كبير، حتى تم تدمير القدس اقتصاديًا لصالح مستوطنات الاحتلال.
وبالطبع ازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءًا فى ظل أحداث متصاعدة منذ بداية الحرب على غزة فى أكتوبر من العام الماضى، والمُستمرة حتى الآن، دون أن يلوح فى الأفق أى بادرة للحل أو التوافق بين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وحركة حماس، بما يعنى أن الفلسطينيين على موعد مع مزيد من المُعاناة الإنسانية، فالآن وبعد ممارسات الاحتلال بالضفة الغربية وتوسع عملياته العسكرية، بات الجميع تحت ضغوط تعسفية متواصلة، فغالبية الفلسطينيين أصبحوا بين نيران الحرب والأوضاع الاقتصادية المُتدهورة، التى تستحيل معها الحياة بشكل طبيعى؛ بل تعانى السلطة الفلسطينية ذاتها أوضاعا اقتصادية سيئة وتزداد تدهورًا منذ اندلاع الأزمة.
ولكن طبقًا لمؤشرات وتقارير صحفية، فإن الاقتصاد الإسرائيلى أصبح متأثرًا أيضًا مثله مثل نظيره الفلسطينى، فيبدو أن ميزانية إسرائيل 2025 مُتضررة ومشوهة، فقد تأخر الإعلان عن إطارها من قبل الحكومة الإسرائيلية، بينما يؤكد «نتنياهو» ووزير المالية الإسرائيلى تسلئيل سموتريتش، أنها ستُعلن قريبًا، ولكن دون توضيح أسباب التأخير حتى الآن.
وتظهر سياسات «سموتريتش» دعمه الرئيسى لسياسات «نتنياهو» حتى وإن بدا الخلاف بينهما أحيانًا وتعالى وتيرة الانتقادات إعلاميًا، فسياساته المالية تجاه السلطة الفلسطينية جاءت متعسفة جدًا، من خلال وقف أموال الضرائب عنها، والتهديد بقطع العلاقات بين النظام المصرفى الدولى والبنوك الفلسطينية، بما يعنى كتابة نهاية السلطة اقتصاديًا ومن ثم سياسيًا، وبهذا تأتى سياسات وزير المالية الإسرائيلى لتُكمل ما بدأه «نتنياهو» من سياسات تجاه غزة والضفة.
وفى ظل توقع استمرار الصراع الإسرائيلى الحمساوى الدائر، يتوقع الاقتصاديون تأثر الاقتصاد الإسرائيلى بشكل متزايد، حتى وإن كان بنسب أقل عن نظيره الفلسطينى، ولكن المؤكد أن إسرائيل ستشرب من نفس الكأس ولو بعد حين، فعلى الباغى تدور الدوائر.