على مدار الأيام القليلة الماضية، شهدت المنطقة سيلاً من التصعيد الإسرائيلى الخطير، ما وضع الشرق الأوسط فوق فوهة بركان معرض للانفجار فى أى لحظة قد يدفع العالم برمته إلى حرب شاملة ربما تعيد الكرة الأرضية كاملة إلى العصور الحجرية ما قبل التاريخ – لا قدر الله – فتعدد جبهات النزاع بالمنطقة سواء فى غزة أو فى جنوب لبنان أو بمنطقة البحر الأحمر جراء العدوان الإسرائيلى على الأراضى الفلسطينية المحتلة، أدى إلى فوضى إقليمية واسعة، لا يُحمد عقباها.
هذه الفوضى الإقليمية – والسبب الرئيسى فيها بالطبع هو المُحتل الإسرائيلى – تؤكد أننا أمام صراع عبثى فى إقليم بائس يحلم أهله بالبقاء فقط وتنفس الحياة والحرية، صراع يفتقد الحكمة والرغبة فى السلام من جميع الأطراف وخاصة المُحتل، صراع يضع الجميع أمام معادلات صفرية لا منتصر فيها ولا مهزوم، عبث بيّن سيدفع ثمنه الملايين من البشر، إذا دقت طبول الحرب الشاملة.
وبين هذا وذاك، يبقى الاستماع للصوت المصرى الحكيم، هو السبيل الوحيد للعودة إلى المنطقة الآمنة التى يُمكن فيها إدارة الصراع بحنكة، والوصول إلى صيغة سلام منطقية.
فمنذ اندلاع شرارة الأحداث بقطاع غزة فى السابع من أكتوبر الماضى، وتدعو الدولة المصرية مراراً وتكراراً إلى وقف التصعيد وضبط النفس واستعادة الهدوء، ولأكثر من 300 يوماً حذرت القاهرة – ولا تزال – من مخاطر اتساع رقعة الصراع فى الشرق الأوسط، وتداعيات الانزلاق إلى الفوضى الإقليمية والسقوط فى الهاوية.
وقبل مئات الأيام، تنبأت مصر بما يحدث حالياً على الساحة الإقليمية، وكانت أول من استقرأ المشهد السياسى مبكراً منذ بداية التصعيد فى المنطقة وتعدد جبهات الاضطرابات والتوترات فى مختلف نواحى الإقليم التعيس، لهذا قادت حملة من التحذيرات السبّاقة لتجنب سيناريو الحرب الشاملة، وطالبت المجتمع الدولى بالاضطلاع بمسؤولياته لإنهاء العدوان الإسرائيلى على غزة، باعتبار هذا العدوان الظالم هو السبب الرئيسى فى ارتفاع حدة التوتر والتصعيد الإقليمى الحالى.
ويبقى الأمل معقوداً على مسار مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة عبر آلية الوساطة الثلاثية المصرية – القطرية – الأمريكية، لتُوقف طبول الحرب التى تقرع فى معظم جنبات الإقليم الحزين، وخاصة بعد تهديد الرئيس الأمريكى جو بايدن لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قبل ساعات، بالتوقف عن تصعيد التوترات فى المنطقة والتوصل إلى اتفاق بشأن غزة فى أقرب وقت ممكن، مع الترقب للرد الإيرانى المحتمل بعد انتهاك تل أبيب لسيادة طهران، واغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس على الأراضى الإيرانية، بعد يوم واحد فقط من تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان.
ومن العاصمة الإيطالية روما، ربما تشع بارقة الأمل المنشودة، عبر جولة المفاوضات الجديدة التى استضافتها "المدينة الخالدة"، وتضمنت محاولة مصرية أخرى لاستعادة الشغف للسلام أملاً فى الوصول لمعادلة توافقية تُنهى هذه الحرب المقيتة، وسط حالة من اعتياد الصراع فرضها واقع عبثى من طرف مهزوم نسبياً ومأزوم فى المطلق.
ويبقى القول، إن أقل نصيب من الحكمة، يُحتم على كل الأطراف الجنوح الفورى للسلام، كون أن اعتياد الصراع لا يمنع تصاعده وانفجاره، وفى بعض السكون مقدمات لضجيج عظيم، ضحيج سيصم آذان الجميع و لن تُجدى حينها الكلمات.