من الاقتصاديات التي تحافظ على البيئة البحرية وتحمي مواردها الاقتصاد الأزرق؛ حيث يستهدف إحداث تنمية مستدامة تجابه مسببات التلوث وتبعث الأمل في إيجاد طرائق تسهم في تحسين سبل المعيشة وتوفير المزيد من الوظائف أمام طالبيها، وهذا يساعد في تحسين الاقتصاد القومي للدول ويعزز مرامي الاكتفاء الذاتي من الغذاء بصورة فعالة.
والاقتصاد الأزرق يعمل على إدارة الموارد البحرية بما يجنب نفاذها أو إحداث تدهور بها؛ فيحد من صور الممارسات غير المسئولة؛ إذ يقضي على كافة المخالفات التي من شأنها تؤدي إلى تجفيف المنابع الطبيعية من أسماك وثروات، واستخدام الأساليب غير المشروعة في عمليات الصيد بصورته الجائرة، وفي المقابل يعضد كافة الطرائق والأساليب المسئولية الخاصة بالصيد، ويحفز على عمليات الاستزراع المائي المستدام، ويفتح مجالات أمام السياحة.
ويحافظ الاقتصاد الأزرق على التنوع البيولوجي البحري، ويحث على حماية النظم البيئية البحرية والعمل على إعادة تأهيلها، ويحفز استخدام صور الطاقة المتجددة التي من شأنها تقلل من انبعاثات الكربون، وهذا من شأنه يؤكد على التنمية المستدامة لكافة المجتمعات الساحلية التي تدعم صور الاقتصاد الأزرق وتحافظ على مقومات البيئة البحرية.
وكما يهتم الاقتصاد الأزرق بصيانة المسطحات والموارد المائية واستخدامها بصورة مستدامة لأغراض التنمية المستدامة؛ فإنه يعضد ماهية القيم الثقافية والتنوع البيولوجي، ويعزز آليات توليد الكهرباء من طاقة المياه، وأنشطة التعدين في البحار والمحيطات، والسياحة البحرية، وأنشطة صيد الأسماك والكائنات البحرية، واستخراج المواد الخام من البحار، وغير ذلك من أشكال النشاط الاقتصادي المرتبط أساسًا بالمياه.
ويأتي الاهتمام بالاقتصاد الأزرق من قبيل ما توفره المساحات المائية التي تشغل أكثر من ثلاثة أرباع سطح الأرض من أكسجين ومصادر تشكل مقومات رئيسة في التغذية، كما تعد مصدرًا لسبل المعيشة عبر البيئة المائية المنتشرة في ربوع الأرض، كما تعد من مصادر كسب العيش لسكان الأماكن الساحلية، ناهيك عن متنوعات التجارة وتوليد الطاقات وصور التعدين على سواحل المياه.
وتمتلك الدولة المصرية ثروة مائية ذات مزايا تنافسية عالية، بفضل موقع مصر الجغرافي الفريد، على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر ونهر النيل وقناة السويس أهم ممر ملاحي عالمي ساهم في دفع حركة التجارة الدولية، بالإضافة لتسع بحيرات والعديد من الموانئ، التي وضعت الاقتصاد المصري في طليعة الاقتصادات التي تعتمد على الاقتصاد الأزرق لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال الاستغلال الأمثل للموارد والمسطحات المائية.
وقد قامت الحكومة المصرية بعدة مبادرات لتطوير الاقتصاد الأزرق المستدام، مثل إنشاء الهيئة العامة للثروة السمكية لتنظيم قطاع الصيد واستزراع الأحياء المائية وتطوير البنية التحتية البحرية والساحلية كالموانئ والشواطئ وتشجيع الاستثمارات في مجالات الطاقة المتجددة البحرية وصناعة السفن والتكنولوجيا البحرية ووضع تشريعات وسياسات بيئية لحماية النظم البيئية البحرية والساحلية.
كما أولت الدولة المصرية أهمية كبيرة لدعم مفهوم الاقتصاد الأزرق المستدام، في إطار الاستجابة لتحديات تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال حماية التنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي الخاص به، ومكافحة مختلف أنواع التلوث البحري، والحفاظ على المحيط، النيل والتوازن البيئي في المناطق الساحلية، مما يحقق التوازن البيئي في هذه المناطق، ويساعد على تقليل الانبعاثات، ويساعد أيضًا في بناء اقتصاد منخفض الكربون وتحقيق التنمية المستدامة.
وفي خضم ذلك أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ لعام 2050، والتي تضمنت في مراحلها الوصول لبعض الأهداف التي تستهدف تحقيق نمو اقتصادي مستدام؛ وبناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغيرات المناخية، بالتخفيف من الآثار السلبية المرتبطة بها؛ وتحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ؛ وتحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية؛ وتعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعي لمكافحة تغير المناخ، وزيادة الوعي بشأن التغيرات المناخية.
وهناك العديد من الممارسات التي اتخذت من أجل تنفيذ الدولة المصرية الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ لعام 2050، يأتي منها العمل الجاد لتوفير الأدوات اللازمة للتمويل، كالسندات الخضراء والتي تسهم في التمويل المستدام للمؤسسات التي تتبنى ابتكار حلول مستدامة وفعالة للحد من مخاطر تغير المناخ، وهناك أدوات التمويل التقليدية، كالقروض والمنح من بنوك التنمية، وإعداد وتقديم مشروعات في إطار الصندوق الأخضر للمناخ وآلية التنمية المستدامة الجديدة لاتفاقية باريس، وبناء نظام وطني للمراقبة والإبلاغ والتحقق يساعد في متابعة وتخطيط العمل المناخي.
ويمكن القول إن الاقتصاد الأزرق ساهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد المصري، الأمر الذي يتطلب التركيز على تربية الأحياء المائية وما بها من كائنات حية ومعدنية مختلفة، وهذا يعد من أكثر آفاق الأمن الغذائي والاقتصادي فائدة، والاهتمام بالتشجيع علي الاستثمار والبحث والتطوير في مجالات الاقتصاد الأزرق وتقديم الضمانات لجذب المستثمرين، وتعزيز تنمية المجتمع في المناطق الساحلية، والسيطرة على التلوث من خلال إعادة تدوير النفايات البرية والبحرية.
لذلك اتخذت الدولة المصرية خطوات جادة؛ حيث اهتمت بصور الاقتصاد التي ساهمت في الحد من الآثار الناجمة عن التغير المناخي، لتضمن صور الاستدامة التي تحقق البيئات الآمنة للإنسان ولكافة الكائنات الحية على سطح المعمورة، ومن ثم اهتمت بالاقتصاد الأخضر، والاقتصاد الأزرق، والاقتصاد الدائري، ومردود ذلك يتضح في تقليل الانبعاثات الكربونية ويحافظ على الموارد الطبيعية والنظم الإيكولوجية من تأثيرات المناخ المتغيرة.
ومن أجل تحقيق الأهداف المنشودة، اعتمدت الحكومة المصرية أسلوب مشاركة الدوائر الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لجعل القضايا البيئية محورا أساسيا لجميع قطاعات التنمية، بما يحقق أمن الموارد الطبيعية، ودعم عدالتها، واستخدامها بطريقة مستدامة؛ لحماية حقوق الأجيال القادمة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، مع توفير بيئة نظيفة وصحية وآمنة لدعم وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مما يساهم في تحسين نوعية الحياة وجودتها، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، وحماية الموارد الطبيعية والنظم البيئية، مع تعزيز ريادة مصر على المستوى الدولي والعالمي.
___________________
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر