من المُفترض أن الحوار هو الطريق الأمثل للوصول إلى نقطة توافق واتفاق، فالحوار هو عرض للحُجج، واستعراض للآراء المُتباينة، ومُحاولة لتقريب وجهات النظر.
ولكن هناك عُنصر إن لم يتوافر، فلا معنى للحوار ولا جدوى منه، وهذا العُنصر هو المنطق، وهذا الأخير يعني تحكيم العقل، والانحياز للموضوعية، والحُكم بحيادية، فإذا انحسر المنطق وتغيب عن ساحة النقاش، فلا معنى من استمرارية الحوار لأنه في هذه الحالة سيتحول إلى جدل سُفسطائي عقيم لا قيمة له، ولن يصل بأطرافه إلى نُقطة اتفاق حقيقية.
وللأسف، هناك العديد من الأشخاص الذين لا يتمتعون بسمة الحوار المنطقي، فنراهم مُتعصبين لآرائهم، وليس لديهم المُرونة الفكرية المطلوبة، فهم دائمًا مُتشبعين بالأفكار المُسبقة، ولا يسمحوا لأنفسهم بالتفكير خارج الإطار المرسوم في عُقولهم، بل على العكس يُصابوا بحالة من الانفعال عند دخول الحوار في منطقة تبادل الحُجج، وهذه النوعية من البشر لا يُمكن تغيير نهجهم الفكري، وأي مُحاولة لمُناقشتهم تكون دربًا من دروب مضيعة الوقت وإهداره بلا فائدة تُذكر.
والأحرى بنا ألا ندخل معهم في أي جدل، لأنهم لن يسمعوا إلا صوت عُقولهم فقط، ولا يقبلون بالحُلول البديلة، ولا يعترفون بإخفاقهم الفكري، لذا علينا ألا نُناقشهم أو نُجادلهم، بل نُحاول جاهدين في حالة اضطرارنا للتعامل معهم أن تكون رُدونا قاطعة إما بـ"نعم"، أو "لا"، دُون دُخول في حوارات عقيمة، لا ولن تأتي بثمارها على الإطلاق، لأن مُجرد مُحاولة النقاش ستُصيب مَنْ يُحاول بالضغط العصبي، والشعور بخيبة الأمل، وأحيانًا يشبع بالطاقة السلبية، ولن يصل في النهاية إلى تحقيق مآربه، فهذه النوعية من البشر والذين يُطلق علهم أصحاب العُقول المُتحجرة، لابد معهم من رفع شعار "بدونِ حوار أفضل".