بيشوى رمزى

نتنياهو ولعبة "استحضار" طهران.. بين الكونجرس واغتيال هنية

الأحد، 04 أغسطس 2024 02:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يبدو أن اتساع دائرة الحرب الناجمة عن العدوان على قطاع غزة، بمثابة نتيجة طبيعية، وربما متوقعة، للسلوك الإسرائيلي العدواني الممتد جغرافيا، بين لبنان وسوريا اليمن، وحتى إيران، في انعكاس صريح لرغبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في إطالة أمد الحرب زمنيا من جانب، للحفاظ على مقعده على رأس الحكومة، لتفادي محاولات إقالته ومن ثم ملاحقته قضائيا، بينما من جانب آخر إجبار دول المعسكر الغربي على تقديم الدعم للدولة العبرية، عبر تنويع جبهات الصراع، فلا تجد الولايات المتحدة وحلفائها بدا من التراجع عن أي مواقف متشددة، إن وجدت، تجاه الدولة العبرية، خاصة بعد سلسلة من الهزائم الميدانية، والسياسية ظهرت في احتجاجات الإسرائيليين ضد الحكومة، ناهيك عن تراجع المواقف الدولية، وهو ما بدا في سلسلة من الاعترافات بدولة فلسطين.


والحديث عن محاولات إسرائيل للضغط على دول المعسكر الغربي، من أجل استعادة الزخم المفقود، في أعقاب الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبتها الدولة العبرية في غزة والضفة والغربية، يتجلى على مسارات متوازية، أبرزها الخطاب الذي أدلى به نتنياهو أمام الكونجرس، ليقدم نفسه ليس فقط مدافعا عن أمن بلاده في مواجهة التهديدات المحيطة بها من قبل الفصائل، وإنما والذي سعى خلاله استغلال الظرف السياسي في الولايات المتحدة، مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، من أجل استقطاب قطاع كبير من الأمريكيين، خاصة من المنتمين إلى الحزب الجمهوري، والذي يحظى بأغلبية تشريعية، بالإضافة إلى الصعود الكبير في حظوظ مرشحه دونالد ترامب، للعودة مجددا إلى البيت الأبيض، وهو ما يأتي في ضوء خلافات مع إدارة بايدن حول إدارة المعركة الحالية في الشرق الأوسط.


بينما يعتمد المسار الآخر على تغيير جزئي في النهج الإسرائيلي، في إدارة المعركة، عبر التحول نحو عمليات نوعية تستهدف قيادات بالفصائل، على غرار فؤاد شكر من حزب الله اللبناني، ثم بعدها بساعات، عبر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وهو ما يساهم تقوية شوكة الدولة العبرية، من خلال تعزيز قدرتها على الترويج إلى انتصارات زائفة، من شأنها إقناع العالم بالرؤية الإسرائيلية القائمة على استهداف الفصائل التي تهددها، وقدرتها على الوصول إليهم، وبالتالي خلق حالة من التشويش حول ما يثار عن الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين، لتخفيف حالات الإدانة الدولية المتواترة، وإعادة الحشد مجددا لدعم الدولة العبرية في مواجهة خصومها.


بينما تحمل عملية اغتيال هنية تحديدا، في الأراضي الإيرانية، وبالتزامن مع تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، بمثابة محاولة إسرائيلية لجر طهران على خط المواجهة المباشرة، عبر انتهاك سيادتها، وذلك بعدما فشلت المحاولة الأولى، والتي بدأتها إسرائيل باستهداف القنصلية الإيرانية بسوريا، لترد طهران بعمليات محدودة للغاية، لا تتجاوز مجرد كونها "شو" إعلامي، ليتحول الغرب، بقيادة واشنطن، نحو تكثيف الدعم المقدم للدولة العبرية، سواء سياسيا أو عسكريا، وهو ما يصب في النهاية في صالح نتنياهو شخصيا، والذي لا يرغب سوى في البقاء على رأس السلطة في بلاده، مهما كانت النتائج.


ولعل تحويل وجهة المعركة التي تخوضها إسرائيل من الفصائل المتناثرة بين فلسطين وسوريا ولبنان واليمن، إلى الداعم الأكبر لهم وهي إيران، يمثل تحولا مهما، في إطار محاولات نتنياهو المستميتة، لتبرير الشراسة غير المسبوقة، في الحرب التي يخوضها، من خلال إضفاء قدر من التكافؤ الشكلي بين طرفي المعركة، خاصة وأن طهران، حتى وإن أقدمت على الرد على انتهاك سيادتها، فلن تتجاوز المحدودية ذاتها التي شهدتها المرة الأولى، وهو ما يساهم في إضفاء قدر من الشرعية الدولية على العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل، ويدفع العالم نحو تجاهل انتهاكاتها، بينما يحاول في الوقت نفسه تقويض، أو على الأقل تجميد، المكاسب التي تحققت، لصالح القضية الفلسطينية، وعلى رأسها الاعترافات الأوروبية المتواترة بدولة فلسطين، والتي تمثل صفعة كبيرة لليمين المتطرف في الدولة العبرية.


وهنا يبدو ان ثمة ارتباط بين محاولات نتنياهو استحضار طهران في خطابه خلال الكونجرس، والتأكيد على أن العمليات الإسرائيلية ليست مجرد دفاع عن النفس ضد الخطر الإيراني الداهم، وإنما أيضا تمثل حماية لواشنطن نفسها، من جانب، وبين اختيار طهران لتكون الموقع الذي يتم فيه استهداف إسماعيل هنية، في قلب العاصمة الإيرانية، في إطار تحويل مجرى الصراع، من مجرد المواجهة مع ما يسمى بـ"الأذرع" الإيرانية، إلى مواجهة مباشرة مع الدولة الفارسية، حتى وإن كانت مواجهة تلفزيونية، ولكنها ستضفي، حال الاستجابة الإيرانية لها، قدرا كبيرا من التكافؤ وبالتالي التعاطف الدولي مع إسرائيل، بل وقد تمحي الانتهاكات المرتكبة بحق آلاف المدنيين خلال الأشهر الماضية، وتقدم كذلك تبريرا للفشل الميداني في ضوء صعوبة المواجهة التي يخوضها جيش الاحتلال أمام تحالف تقوده قوى إقليمية، على عكس الواقع الذي يؤكد أن مواجهة إسرائيل لا تتجاوز مجموعة من الفصائل محدودة الإمكانات.


وهنا يمكننا القول بأن محاولات نتنياهو لاستحضار إيران، تحمل في طياتها محاولة أخرى لإطالة أمد الصراع، وإغلاق الباب أمام مطالبات العالم بضرورة وقف إطلاق النار، في لحظة تبدو فارقة في عمر الصراع الذي تشهده المنطقة، وهو الأمر الذي تحتاج القوى الإقليمية، وعلى رأسها طهران نفسها، إلى إدراكه، في ضوء العديد من المعطيات، خاصة وأن الانغماس في مواجهة، ولو شكلية، ضد إسرائيل سيخدم لا محالة مصالح نتنياهو الشخصية، وهو الأمر الذي لا يصب في صالح الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة