مما لاشك فيه أن الجامعات تلعب دورا كبيرا فى المشاركة المجتمعية، وتحقيق التنمية المستدامة للدولة، وتقديم كافة أشكال الدعم للمناطق الواقعة فى نطاقها الجغرافي، في ضوء الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالى والبحث العلمى 2030 التي أولت اهتماما كبيرا بتفعيل دور الجامعات ومؤسسات التعليم العالى بوجه عام فى خدمة المجتمع والبيئة المحيطة، بما يتوافر للجامعات من ثقل، وما تقوم به من دور حيوى فى المجتمع، فهي تمثل قوى دفع حقيقية للتقدم، وقاطرات لحركة التنمية الشاملة فى بلادنا.
وفي ظل التطور الكبير الذي تشهده البلاد الآن من زيادة أعداد الجامعات وتنوعها ما بين جامعات حكومية وخاصة وأهلية ودولية وغيرها ، نجد أن ذلك قد تواكب مع طفرة كبيرة في مجال العلوم والمقررات العلمية والتي أرتبطت إرتباطا واسعا مع ما تشهده تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وصناعة البرمجيات وتطورها في العالم ، وتزايد الإقبال علي الإلتحاق بالكليات ذات الطبيعة العملية التي تقدم هذه الخدمات العلمية الحديثة للطلاب وتستجيب لمتطلبات سوق العمل الذي يفسح المجال لهذه النوعية من الخريجين والذين يجيدون مهارات التكنولوجيا الجديدة في العلوم المختلفة وبصفة خاصة العلمية والتطبيقية منها .
وتسعي الجامعات أيضا علي التطوير المستمر في أدواتها المختلفة من خلال تفعيل انظمة الجودة التعليمية والارتقاء بمستويات التدريس والتقييم بها والتحديث المستمر في لوائحها التعليمية بما يواكب متطلبات التصنيفات العالمية المختلفة للجامعات وتقييمها داخل كل تصنيف وهو ما يعد بمثابة إعتراف دولي يعزز مكانة المؤسسة التعليمية ويعطي لها ثقل تعليمي وأكاديمي وتسويقي عالي ويقدم صورة أكاديمية مرموقة لها في المحافل العلمية المختلفة ، وهو ما يعود بالأثر الايجابي عليها وعلي المجتمع المحيط بها .
لكن كل هذه المنظومة التعليمية المتطورة المواكبة للمستجدات العلمية الدائرة مصريا وإقليميا وعالميا لابد أن تتوازي معها خطة واضحة تقوم بها الجامعات ومؤسسات التعليم في مجال بناء الإنسان من خلال بناء شخصية الطالب وتعزيز الوعي الثقافي والفكري للطلاب، ودعم شخصية الطالب على كافة المستويات العلمية والفكرية والثقافية، ورفع مستوي الانتماء الوطني للطلاب، وتثقيفهم بالقضايا القومية المعاصرة .
وهو ما يستحيب لتوجيهات القيادة السياسية حيث يدعو دائما السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية علي ضرورة الاهتمام ببناء الإنسان واعتبار ذلك أولوية قصوي من أولويات الدولة المصرية وذلك من أجل الوصول لبناء جيل قادر ومسلح بالعلم والثقافة اللازمين لمواجهة التحديات الصعبة الحالية التي يمر بها العالم حاليا ، وتحتاج إلي إنسان قوي ومحصن بالوعي لمواجهتها والتعامل معها .
فالجامعات هى الركيزة الأساسية للمواهب والطاقات البشرية اللازمة لبناء مجتمع معرفي إبداعي، لأهمية المرحلة العمرية التي ينتمي لها شباب الجامعات وخطورتها في تشكيل شخصيتهم، وتطوير قدراتهم
وإذكاء روح الانتماء الوطني للشباب وتعزيز هويتهم الوطنية.
حيث أن التعليم الجامعي يعتبر هو أحد العناصر الأساسية في بناء الإنسان ودعم التنمية البشرية على مستوى العالم، فالجامعة معنية أساسا ببناء البشر في كافة التخصصات والمجالات من خلال أنشطة مخططة ومدروسة بعناية يقوم عليها متخصصين واساتذة أكفاء في مجالهم ولديهم قدرات خاصة في التعامل مع جيل الشباب بتركيبته المتنوعة .
مما يؤكد علي ضرورة ترسيخ العلاقة بين الجامعة والمجتمع من خلال ربط الشباب بالأطر المجتمعية خارج حدود جامعته تحت إشراف علمي وتربوي وارشادي من الجامعة وتنمية البحث العلمي لديه وربطه بواقع العمل التطبيقي ، وإعداد الكفاءات البشرية التي يحتاجها المجتمع في مختلف الأنشطة، والاهتمام بالتنمية المستدامة لتحقيق الأهداف المأمولة.
فالجامعات تعد بالفعل جسور لترسيخ القيم والمباديء الصحيحة، وغرس الأخلاق والقيم في نفوس الشباب حتى تسهم إسهاما بالغا في تطور المجتمع وتقدمه.
ففي الوقت الذي نشاهد فيه زيادة الاهتمام بالعلوم التطبيقية والذكاء الاصطناعي ، علي الجامعات أن تعي بأن مشاكل العالم لا يمكن حلها من خلال التكنولوجيا وحدها فقط ، فكل حل تكنولوجي إن كان للأمراض المعدية أو لتغير المناخ أو لتقليص عدد الفقراء في العالم، يجب أن يقوم بتطويره إنسان واع وصاحب شخصية متوازنة ولديه رؤية واضحة لإستخدام العلم الذي تعلمه في قاعات الجامعة من اجل دعم أهداف التنمية المستدامة ، لذلك فنحن بحاجة إلى تفعيل كامل لخطط بناء الإنسان في الحامعات والمؤسسات التعليمية من خلال تعزيز مشاركات الطلاب في الأنشطة والفعاليات الثقافية والاجتماعية واكتشاف المواهب من جهة وتشجيع الطلاب علي الاندماج في المجتمع من جهة أخري من خلال تعزيز دور الجامعات في المسئولية المجتمعية .
وهو أمر يحتاج الي تفعيل التعاون والتكامل بين الجامعات والجهات الاخري الشريكة داخل المجتمع ذات الصلة بالتنشئة وبناء الوعي سواء كانت جهات حكومية او غير حكومية في مجالات الوعي والتنوير والثقافة والشئون السياسية والاقتصادية وغيرها .
هذه الرؤية الواضحة لمسئولية الجامعات في بناء الإنسان والتي تربط المقررات العلمية المختلفة بالإطار التطبيقي لها في المجتمع بالتوازي مع بناء شخصية الطالب ثقافيا وتربويا وفكريا هي التي تحقق المفهوم الحقيقي لبناء الإنسان الذي يستطيع ان يبني الجمهورية الجديدة بالعلم والمعرفة والإنسانية ويقودها نحو المستقبل المأمول بثقة وجدارة .