بيشوى رمزى

"المقاومة المستدامة".. البعد التنموى فى خدمة فلسطين

الإثنين، 05 أغسطس 2024 03:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

حالة من التوتر باتت تسود المشهد الإقليمي في اللحظة الراهنة، خاصة بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية واستهداف قيادات حزب الله، مع توسع دائرة الصراع، في العديد من دول المنطقة، في ضوء تكهنات، تصل إلى درجة اليقين، تدور في معظمها حول هجوم من قبل إيران، على إسرائيل، ردا على انتهاك سيادتها، وهو ما يؤشر أن الأمور تتجه صعودا، مما يثير مخاوف كبيرة، جراء امتداد حالة عدم الاستقرار جغرافيا لتنتقل إلى دول أخرى، تزامنا مع التمدد الزمني للصراع، والذي لا يرغب نتنياهو ورفاقه في إنهائه، حرصا على مصالحهم الشخصية بدرجة تفوق حرصهم على مصلحة الدولة العبرية، والتي باتت في موقف حرج على الصعيد الدولي، خلال الشهور الماضية.


وبالنظر إلى الظروف الزمانية، للسلوك العدواني المتفاقم للاحتلال الإسرائيلي، نجد أن ثمة رغبة ملحة لدى سلطات الاحتلال إلى تأجيج الفوضى الإقليمية، في لحظة تبدو في غاية الحساسية، خاصة بعد سنوات من الاستقرار النسبي، في أعقاب ما يسمى بـ"الربيع العربي"، حيث شهدت السنوات الأخيرة اهتماما ملموسا بالجانب التنموي لدى العديد من دول المنطقة، وعلى رأسها مصر، والمملكة العربية السعودية، حيث اعتمدت التنمية كأداة لـ"مقاومة" الفوضى، والقضاء على تداعياتها، من خلال تعزيز الاستدامة، عبر مشروعات عملاقة صديقة للبيئة، مع تعزيز العديد من القطاعات الحيوية، وعلى رأسها الاستثمار والسياحة والترفيه وغيرها، وهو ما تراه الدولة العبرية خطرا داهما يهدد أمنها، وبالتالي فأصبح السبيل لديها هو إرساء حرب إقليمية واسعة النطاق لتقويض ما تحقق، أو على الأقل السيطرة عليه.


وربما كان الظرف المكاني لاغتيال هنية، يحمل في طياته العديد من التداعيات، التي تراها إسرائيل تصب في صالحها، ربما أبرزها تقديم الدليل العملي للغرب حول الخطورة التي تمثلها إيران، سواء عليها حال إقدام الأخيرة على شن هجوم عليها، أو على الحلفاء من دول المعسكر الغربي، حال تفاقم الأمور إلى الحد الذي قد تستهدف فيه طهران، أو أذرعها الإقليمية، مصالح الغرب في منطقة الشرق الأوسط،  بينما في الوقت نفسه حمل تساؤلات، أو بالأحرى شكوك، لفت إليها في مقال سابق، حول مدى قدرة القوى الإقليمية، التي طالما ربطت نفسها بمفهوم "المقاومة"، على تعزيز ودعم القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي يسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى تغيير الرؤية المرتبطة بالمفهوم نفسه، والذي بات في حاجة ملحة إلى الاستدامة.


ولعل مفهوم المقاومة، بين مجابهة الفوضى، وما يتضمنه من ضرورة بالغة لتحقيق التنمية في صورتها المستدامة، من جانب، وإنهاء الاحتلال، في إطار قضية الإقليم المركزية، من جانب آخر، نجد أن الحاجة ملحة إلى استلهام رؤية مستحدثة للمفهوم، تعتمد هي الأخرى نهج الاستدامة، فيما يمكننا تسميته بـ"المقاومة المستدامة"، والتي لا ينبغي أن تقتصر على إطلاق الصواريخ والقيام بالعمليات الفدائية، وإنما تحمل في طياتها شقا دبلوماسيا، يقوم على الدفاع عن القضية في المحافل الدولية، وآخر تنمويا، يقوم في الأساس على مساعدة الفلسطينيين، للاعتماد على أنفسهم، ودعم المشروعات المرتبطة بهم، وكذلك المنظمات الداعمة لهم، وعلى رأسهم الأونروا، مع تعزيز الجانب الإنساني، في ضوء تقديم المساعدات لهم، بما يؤهلهم لمواجهة التحديات الكبيرة التي توجههم، وهو ما يتطلب تنمية إقليمية شاملة.


فلو نظرنا إلى البعد الدبلوماسي، نجد أنه يحمل تأثيرا بالغا في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، حيث أنه يجرد الممارسات الإسرائيلية من شرعيتها، ويفقدها تعاطف حلفائها، في القلب منهم دول المعسكر الغربي، وهو الأمر الذي بدا واضحا في لجوء رئيس وزراء الدولة العبرية إلى الكونجرس، لمغازلة واشنطن، والضغط عليها بعد خلافات تبدو عميقة في إدارة المعركة التي يخوضها في غزة، بينما يبقى الجانب التنموي أكثر تعقيدا، في كونه مرتبطا بحالة الإقليم بأسره، فتعزيز التنمية، لدى القوى الإقليمية الكبرى والمؤثرة، يساهم بصورة كبيرة في تعزيز ثقلها الدولي، والفوز بثقة القوى العالمية المؤثرة، بما يساهم في تحقيق قدر من التوازن لصالح القضية.


وفي الواقع تبدو معضلة فلسطين، والتي استمرت لعقود طويلة من الزمن، في العلاقة غير المتكافئة بين الاحتلال من جانب، والدول الداعمة للقضية من جانب آخر، فالدولة العبرية كان لديها أدواتها لمساومة القوى الكبرى وتوجيه مواقفها لصالحها، سواء بما تمتلكه من جماعات ضغط في دول أوروبا أو الولايات المتحدة، بينما كان الجانب الداعم لفلسطين، أسيرا للصراعات، والحروب والانقسامات، والتي تجلت في أبهى صورها خلال العقد الماضي، وبالتالي كان التحول نحو التنمية من قبل قوى عربية مؤثرة، بمثابة كابوس لإسرائيل، في ضوء ما يمثله ذلك من خطر داهم لها، بفضل تعزيز أدواتها وقدراتها على المناورة، وهو ما تجلى في أبهى صوره منذ بداية العدوان على غزة، في ضوء الموقف المصري القوي والذي ساهم في تغيير مواقف الغرب ودفع نحو سلسلة من الاعترافات بالدولة الفلسطينية، ناهيك عن تأييد الغالبية العظمى من دول العالم لعضوية فلسطين بالأمم المتحدة، وهي مكاسب تحققت بفضل تأثير كبيرة للدولة المصرية، والتي تعد الداعم الأكبر لفلسطين، بينما أبرزت في الوقت نفسه شمولية "المقاومة"، في إطار مستدام، حتى يتحقق الهدف من ورائها، بعيدا عن اقتصارها على الصورة التقليدية.


وهنا يمكننا القول بأن البعد التنموي، على المستوى الإقليمي، بات أحد أهم أعمدة "المقاومة"، في ضوء حاجة القوى الإقليمية البارزة إلى مواصلة الطريق نحو التنمية الاقتصادية، بما يساهم في تعزيز دورها، وهو ما يتطلب بصورة كبيرة إنهاء الصراعات، والعمل على تعزيز المصالح المشتركة فيما بينها، وتخفيف حدة المنافسة، وبالتالي الوصول إلى أرضية موحدة، فيما يتعلق بالقضايا الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وبالتالي تبقى الحاجة ملحة إلى تعزيز مناخ جاذب للتنمية، وليس العكس في اللحظة الراهنة، لتقويض أهداف الاحتلال القائمة على القضاء على ما تحقق خلال السنوات الماضية.

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة