الكتاب الذى أصدره الدكتور محمد بشارى عن حق الكد والسعاية.. مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة.. يناقش قضية مهمة شغلت الفقه بمختلف مذاهبه، مستندا للمذهب المالكى، وفتوى الفقيه ابن عرضون، الذى اعتبر المرأة شريكة فى صنع الثروة الأسرية. وهى فتوى لها أصل راسخ عندما حكم الفاروق عمر ابن الخطاب لحبيبة بنت زريق بالشراكة فيما تركه زوجها بعد وفاته، فى إشارة واضحة لتطبيق حق الكد والسعاية على الأرامل.
يرى بشارى أن هذا الحق الأصيل للمرأة ضمن الذمة المالية للمرأة، وهى فتوى تراثية من أدلتها قوله تعالى (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا)..النساء/7.
وهذه الفتوى أو الحكم لا يميز بين المرأة العاملة وربة البيت، فكلاهما تستحق مال الأسرة التى أسهمت فى تكوينها وتنميتها بجهدها وسعيها وصبرها.
يستعرض الكتاب المرأة فى محطات التاريخ قبل مجىء الإسلام، وتكريم الإسلام للمرأة كأم وزوجة وأخت، مستعرضا سند الحماية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
ولا شك أن اهتمام فقهاء المالكية فى فتاواهم بحق الكد والسعاية، كدليل فقهى وحجة لتحقيق حقوق المرأة وكرامتها، فيتحقق العدل وتنصف النساء فى ظل واقعهن المعيش.
يعرف الكد من كد يكد كدا، أى الشدة فى العمل، وطلب الرزق، أما السعاية فهى من سعى سعاية، أى قصد وعمل وكسب لعياله، وفى الاصطلاح تعتبر من النوازل الفقهية مقابل السعى والكد، أى مقابل العمل. سواء من أجل إيجاد رأس مال غير موجود، أو تنمية رأس المال الموجود. ولذلك اعتبر الفقهاء أن حق السعاية له بعض وجوه التطابق والتشابه مع الشراكة وحقوقها، ويطرح الدكتور بشارى نموذجا لعقد اتفاق ما قبل الزواج، أو وثيقة تدبير الأموال المشتركة أو المكتسبة بعد الزواج، وهى وثيقة غير إلزامية فالزواج ميثاق غليظ، ولكنها تعنى رعاية لمقاصد الشريعة من الزواج وإقرارا بالفضل بينهما، وإن كنت لا أرى حاجة لتلك الوثيقة، حتى لا نكون بمثابة تجارة وربح ومنبع غضاضة بين الطرفين، وبدلا منها الهبة والوصية.
من بين الداعين إلى ضرورة إحياء فتوى (حق الكد والسعاية) من تراثنا الإسلامي، الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، لكنه قصد به حماية حقوق المرأة العاملة التى بذلت جهداً فى تنمية ثروة زوجها، خاصة فى ظل المستجدات العصرية التى أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة. وربما قصد به الإمام الطيب أن المرأة ربة البيت تعمل حتى لو كان ذلك داخل بيتها، فهى تشارك فى تنمية ثروة أسرتها، ولها نصيب من الحمل الذى على كتفيها. فهى تلعب أدوارا عديدة ومتنوعة.
للمرأة حقوق واجبة نظمتها أحكام الكد والسعاية، لكن ينبغى أن تكون برضاء تام بين الزوجين، وقناعة وذلك يحتاج إلى توعية الشباب المقبل على الزواج فى الأسرة والجامعة و توعية المجتمع بدور ومكانة المرأة فهى شريكة وليست خادمة الزوج والأسرة.