مثل إطلاق الترجمة العربية لكتاب الرئيس الصيني شي جين بينغ المعنون (حول الحكم والإدارة) في القاهرة، حدثا استدعى مصطلحات كالقوة الناعمة، والنفوذ الثقافي، والصراع الدولي، وصاحب ذلك تساؤلات: ماذا تريد الصين من هذا؟
في حقيقة الأمر الصين تسعى بكل قوتها لاعادة صياغة صورتها من جديد في ثوب مختلف عما اعتاده العالم عنها، فالصين التي كانت توجه جل عنايتها للتنمية الداخلية خلال العقود الممتدة من ثمانينيات القرن العشرين إلى العقد الأول من القرن الحالي، صار طموحها أكبر بكثير مما كان يتخيله الغرب، والذي كان سببا في التطور السريع للصين حين نقل صناعته إليها طمعا في الاستفادة من رخص اليد العاملة والسوق الصيني الكبير.
الآن الصين تواجه بصورة جديدة بعد أن تخطت مرحلة التمكين الاقتصادي، فهي تسعى إلى بسط النفوذ السياسي ومن ثم الثقافي، وتدرك أن الغرب يشوه صورتها عبر عدد من المقولات التي يجري ترسيخها، فجاءت ترجمة كتاب الرئيس الصيني في هذا السياق، حمل الكتاب مفاهيم جديدة تحاول الصين تجذيرها في الصين ومن خلال علاقاتها مع عدد من الدول مثل: التحديث لا يساوي التغريب، فالرئيس الصيني يرى أنه يمكن دمج الثقافة والموروث مع الحداثة الصينية، فهل هذا يعني أن الصين تبني نموذجا للحداثة مخالفا للنموذج الغربي؟
فالديموقراطية في مفهوم الرئيس الصيني تقوم علي معايير رئيسية منها ما إذا كان بامكان قيادة الدولة أن تتعاقب بشكل منظم وفقا للقانون، وما اذا كان بإمكان جميع أبناء الشعب إدارة شئون الدولة والشئون الاجتماعية والأعمال الاقتصادية والثقافية وفقا للقانون، وما إذا كان بامكان جماهير الشعب التعبير عن مطالبها دون عوائق، وما اذا كان يمكن صنع قرارات الدولة بطريقة علمية وديموقراطية .وما اذا كان بامكان المواهب في مختلف المجالات دخول منظومة القيادة والادارة للدولة عن طريق المنافسة العادلة .
هنا نرى الرئيس الصيني يعتقد أن الديموقراطية ليست زينة أو زخرفة بل تستخدم لمعالجة القضايا التي يطالب بها الشعب، ومفتاح تقييم ذلك ما إذا كانت ديموقراطية أم لا، يكمن في ما إذا كان شعبها سيدا لها حقا، وما اذا كان لشعبها حق التصويت، والأهم من ذلك الحق في المشاركة الشعبيةالواسعة النطاق .
تتجه الصين نحو صيننة الأديان خاصة مع التعددية الدينية داخل الصين، فالصين في رأي شي جين ترى أنه من الضروري تطبيق سياسة حرية الاعتقاد الديني بشكل كامل ودقيق وشامل، واحترام المعتقدات الدينية لجماهير الشعب، وادارة الشئون الدينية طبقا للقانون والالتزام بمبدأ الاستقلالية والإدارة الذاتية، وبذل جهود نشطة في ارشاد الأديان لتتكيف مع المجتمع الاشتراكي، ويؤمن الرئيس الصيني أن معتنقي الأديان وغير المعتنقين لهم نفس المصالح الأساسية سياسيا واقتصاديا، لذا سنرى وفق هذا التصور إسلاما يتوافق مع هذه المعطيات.
هذا ما يقودنا إلي مفهوم الصين لحقوق الانسان وهي القضية المثارة بصورة مستمرة ضدها من قبل الغرب، هنا تحاول الصين بناء مفهومها لقضية حقوق الانسان فيري الرئيس الصيني في كتابه أن جميع القوميات في الصين متساوية، وكذلك احترام المعتقدات الدينية، وأكد على إصلاح النظام القضائي الصيني، مع تعزيز بناء الصين الآمنة، والصين الخاضعة لسيادة القانون، مع اتخاذ إجراءات ضد جميع الانشطة غير القانونية والإجرامية.
أن مفاهيم مثل الرخاء المشترك والثورة الاجتماعية لانهاء الفقر كلها تأتي في ظل رؤية صينية واضحة وهذا ما يعبر الرئيس الصيني عنه حينما حدد أولوياته في الحكم حيث كانت زيارته عاكسة لحركته، لدرجة يقول معها : إني أتذكر ما يقلق الشعب ، وأفعل ما يتطلع إليه الشعب ، أنا جئت من الريف ، ولدي تجربة شخصية حول الفقر ، بفضل الجهود المتواصلة المبذولة من قبل الأجيال المتعاقبة، يتمكن الناس الذين كانوا يعانون من الفقر في الماضي من تأمين الأكل واللبس والتعليم والسكن ، وكذلك الحصول علي التأمين الصحي ، هذه السياسات حدت من الفقر بل الأن متوسط دخل الفرد في الصين 12 ألف دولار .
إن كل ما سبق يقودنا إلي تجربة عربية كانت ملهمة حتي للصين وهي تجربة مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر والذي كانت مصر في عهده اعترفت بالصين عام 1956 وهي أول دولة عربية وافريقية تقوم بهذا ، حققت مصر في ظل سياسات اشتراكية معدلات نمو غير مسبوقة في خطتين خمسينيتن امتدتا إلي العام 1965 ،حتي تم مضاعفة الدخل الوطني ، لكن جاءت تأميمات عام 1965 لتضرب الرأسمالية الوطنية في مقتل ، وتهز ثقة رأس المال الوطني في النظام الاقتصادي ، ثم جاءت نكسة 1967 لتضع الدولة علي المحك في مرحلة صعبة لم تنتهي إلا مع معاهدة السلام 1979 .
إن الصين بتجربتها ليست نموذجا تنمويا فحسب بل إن علينا أن ندرك أنها تبني وتجهز نفسها لتكون علي رأس العالم في كل المجالات ، لذا فمشروع الحزام والطريق يتجاوز فكرة الهيمنة الاقتصادية إلي بناء سوق كبير للصين حول العالم يرتبط بالصين وترتبط به الصين ، هذا ما يجعل الصين مرحبا بها في ظل عدم تدخلها في الشئون الداخلية للدول ، فضلا عن شروط قروضها الميسرة ، واقامة مناطق صناعية صينية في العديد من الدول ، إن صعود الصين خلال السنوات القليلة القادمة لتكون الاقتصاد الأول في العالم ، يدشن لعصر جديد لقوة عظمي جديدة أتية من الشرق ، لها تطلعاتها وسياستها المستقلة عن الغرب .علينا ان ندرس الصين بعناية والا نظن ان كل ما هو قادم من الصين مناسب لنا لكن درس الصين لكي نفهم الصين وسياساتها .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة