عندما نبحث عن آليات للإصلاح المؤسسى نتوجه إلى سياسة الدولة العليا التى نقتدى بها فى تناول ما نواجه من تحديات أو مشكلات بمختلف صورها؛ فما انُتهج فى الفترة الأخيرة وأسفر عن نجاحات تمثلت فى إجراءات رأينا ثمارها بوضوح ولاحظنها عبر نتائج الحوار الوطنى الذى خرج علينا بالعديد من التوصيات والمقترحات بعد لقاءات وجلسات عديدة ومنظمة، وهذه الفكرة السديدة بدأت حينما رصدنا فى لقاء الرئيس المتكرر بأطياف الشعب المصرى العظيم تأكيد للمشاركة المجتمعية فى كل ما يدور من حواراتٍ ومناقشاتٍ وطنية وأظهر ذلك صورة فريدة ومتفردة من الرؤى والفكر.
والحوارات المؤسسية وما يدور بها من نقاشات يسفر عنها ثمرةً يانعةً ومتجددةً فى كل لقاءٍ يعقد، كما يؤكد على الرباط والمحبة والاصطفاف الجامع حول مصالح المؤسسة ومن ثم يصب مباشرة فى مصلحة الدولة العليا؛ فعندما تناول الرئيس على هذه المأدبة الرمضانية بعض القضايا التى تهم المجتمع الداخلية منها والخارجية، وتحاور وتناقش مع سيادته الحاضرون بصورةٍ راقيةٍ وهادئةٍ حول بعض القضايا على الساحتين، على أثر ذلك وجه سيادته بعقد فعاليات الحوار الوطنى ليسير بشكل منضبط ومستدام.
وتدشين القيادة السياسية الرشيدة للحوار الوطنى له العديد من الإيجابيات، ومنها أن الدولة عازمة بصدق على استمرارية الحوار لجنى ثمارٍ تساعد فى تحسين المسار نحو نهضتها وتحقيق استراتيجيتها، وأن الديمقراطية المسئولة دومًا تُعيد الأمور إلى نصابها لتتحقق المصلحة العليا دون الالتفات للمصالح الشخصية أو الفئوية، وأن قوة الدولة مستمدةٌ من إرادة شعبية تدعم مؤسساتها وقيادتها السياسية تترجمها الشراكة الفاعلة فى الحوار الوطنى المصري، وأن ما تنتهجه الدولة من شفافيةٍ يُعد غير مسبوقٍ؛ حيث تغطى وسائل الإعلام المختلفة أحداث جلسات الحوار وفعالياته بشكلٍ مباشرٍ كبرهان على الشفافية.
ونود الإشارة إلى أن هناك مؤسسات وطنية تنتهج لغة الحوار المؤسسى فى تناول قضاياها بهدف وضع الخطط الاستراتيجية للتحسين والتطوير والرقى بالعمل وجودة الإنتاج، فما أكده وزير الثقافة، بأن الفترة المُقبلة ستشهد عقد سلسلة من اللقاءات المكثفة داخل البيت الثقافي، مع مختلف أطياف العمل الثقافى والإبداعى والفني، ليشمل الأدباء والشعراء والفنانين والمثقفين والعاملين فى الحقل الثقافي، على جميع المستويات؛ فهو انتهاج لخطى القيادة السياسية وتبنى الحوار الوطنى المتخصص مع المهتمين بالشأن الثقافى والإبداعى والفنى والداعمين له فى حديث مفتوح يهدف للارتقاء بالعمل وتعزز الوعى الثقافى بناء الأسان وسبل دعم الاقتصاد المصري.
وفى هذا الصدد نؤكد أن هذا تجمع حميد يشير إلى أن جميع المؤسسة الثقافية أسرةٌ واحدةٌ تسعى لتحقيق غايةٍ رئيسةٍ تتمثل فى الحفاظ على كيانها وتحقيق رؤيتها ورسالتها، ويعضد التجمع المؤسسى ماهية الولاء والانتماء والمواطنة بكافة صورها؛ حيث إن التحديات والمشكلات وسائر القضايا يمكن حلها والتغلب على ما يشكل صعوباتٍ أو أزماتٍ بغض النظر عن حجمها وتأثيراتها بما يرد من أفكار بناءة تتمخض عنها تلك اللقاءات.
والملفت للنظر أن وزير الثقافة لم يترك فى دعوته التى أطلقها كل من يمت بصلة للحقل الثقافي؛ فقد صرح بأن مناقشة الرؤى والأفكار والطموحات التى يحملها كل فاعل ثقافي، والاستماع إلى المقترحات والآراء حول مستقبل الثقافة المصرية، يعد لبنة استراتيجية التنمية الثقافية، وبناء الإنسان المصري، وهنا نثمن الفكرة العبقرية لوزير الثقافة؛ لأن شراكة الحوار تتضمن خبراتٍ وقاماتٍ فى المجالات الثقافية، وهذا من شأنه يؤدى إلى تواتر أفكار ومزيد من التوصيات التى تساعد فى اتخاذ قراراتٍ تنفيذيةٍ فاعلةٍ.
ونؤكد بأن الحوار الثقافى المؤسسى الذى سيجرى من خلال اللقاءات المكثفة بمشيئة الله تعالى مع مختلف أطياف العمل الثقافى والإبداعى والفنى يعد عملية تفاعلية تسمح بتبادل الرؤى والأفكار والآراء من قبل الأطراف المشاركة التى تمثل أطياف الثقافة دون استثناء، وندرك أنه عبر الحوارات والمناقشات وعرض الرؤى بصورة مفتوحة سوف ترتكز فى مجملها على الشفافية والتوافقية حول الصالح العام لوزارة الثقافة المصرية وقطاعاتها المختلفة.
إلى جانب مناقشة كيفية تفعيل العلاقات البينية بين الوزارة ومختلف وزارات الدولة والهيئات والمؤسسات المختلفة محلياً ودولياً؛ فخلال المناقشات تحصى المصاعب والأزمات والتحديات الحالية والمحتملة لتتوافق على آليات التغلب عليها، ومن ثم التوصل إلى صيغة توافقية يرتضيها الجميع؛ لضمان مناخ مؤسسى ملائم وداعم للعمل والإبداع والإنتاج الثقافى والمردود الاقتصادى بحث تكون الوزارة فاعلة ومنتجة وداعمة للاقتصاد المصرى بمختلف قطاعاتها المتعددة.
ونتوقع بعد نجاح اللقاءات التى تجرى بها العديد من الحوارات والنقاشات سوف يعقد مزيد من المنتديات والندوات والمؤتمرات التى تعظم من قيمة العمل الثقافى للوزارة وهيئاتها، وما يؤدى إليه ذلك من تقديم حلولٍ مدروسةٍ لما يواجه العمل المؤسسى من تحدياتٍ ومشكلات على الساحة الثقافية الداخلية والدولية.
ونوقن بأن الحوار والتواصل المباشر مع الوزير سوف يوفر الأجواء التى تساعد على الانخراط فى تقديم الرؤى الطموحة التى تستهدف التغيير وتدعم تحقيق رؤية ورسالة وأهداف وزارة الثقافة المصرية، وهذا أيضًا يسهم فى رقى العمل المؤسسي، ويضاعف من الجهود المعطاءة، ويحدث نوعًا من التفاهم والتناغم بين الأطياف الثقافية.
ولا نغالى إذا ما قولنا إن ما يصبوا إليه وزير الثقافة المصرى واضح المعنى والغاية؛ فالرجل يسير على هدى وتوجهات القيادة السياسية، ويؤسس لديمقراطية فى صورتها المسئولة والتى تؤكد على متخذى القرار الحذر من التصرف وفق الهوى؛ حيث إن المعيارية فى صنع القرار تبنى الوطن ولا تهدر مقدراته، وتحافظ على هوية الأمة وتؤدى إلى استدامة تنميتها ونهضتها، وهذا ما أكد عليه رئيس الجمهورية مرارًا وتكرارًا.
نسأل الله تعالى حفظ بلادنا الحبيبة ودوام نعمة الأمن والأمان والاستقرار، ودوام التوفيق والسداد لقيادتنا السياسية الرشيدة، وجميع مؤسساتنا والعمل لما فيه خير البلاد والعباد.
أ.د/ مها عبد القادر أستاذ أصول التربية كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر