إن صورة التطوير بالمرحلة الثانوية بدت واضحة؛ حيث الاهتمام بتنمية مستويات التفكير العليا كمعيار حاكم للخبرات المقدمة للطلاب بداية من الصف الأول الثانوي إلى الصف الثالث، وفي الحقيقة هذا يتطلب العمل على ضرورة الكشف عن مدى توظيف واستخدام المعلومات والأفكار، بطريقة تحمل معناها ومضمونها؛ ونستطيع أن نحدد ذلك عندما يقوم الطالب بجمع حقائق وأفكار بطريقة مرتبة، ويتمكن من تعميم هذه الأفكار ويشرحها، ويصل من خلالها لبعض النتائج أو التفسيرات، وباستخدامه للمعلومات والأفكار يتمكن من حل المشكلات ومن ثم يكتشف معاني ومفاهيم جديدة.
ونطمح عبر المرحلة الثانوية في سنواتها الثلاثة أن نصل بالطلاب لعمق المعرفة، ويشير عمق المعرفة إلى الخصائص الجوهرية للأفكار في موضوعات المقررات الدراسية، وإلى معدل الفهم الذي يظهره الطلاب عند تناولهم لهذه الأفكار، ونستطيع أن نحكم على أن المعرفة عميقة لدى طالب عندما تتعلق بالأفكار الرئيسة لموضوع التعلم، وعندما يستطيع المتعلم التمييز بينها بوضوح، مع مقدرته على عقد مناقشات وحل مشكلات، والقيام ببعض التفسيرات.
ولندرك أن العمق يحدث بصورة جزئية، من خلال مقدرة الطالب على تغطية موضوع التعلم بطرق مختلفة ومترابطة، وينبغي أن نراعي أمور ثلاثة في موثوقية تحقق هذا المعيار، تتمثل مدى مقدرة الطالب على استخدام المعرفة السابقة، ومحاولاته المستمرة بهدف الحصول على فهم عميق، ومقدرته على التواصل الفعال بهدف للتعبير عن الأفكار والنتائج بشكل مفصل، وهذا يستوجب على الطالب أن يتوافر لديه الرغبة تجاه الحصول على معنى أعمق أثناء تعلمه، وأن تكون لديه القدرة على التعبير عن هذا المعنى بطرائق مختلفة شفوية أو كتابية أو تمثيلية.
ونأمل أن يتم ربط موضوعات التعلم بحياة طلاب المرحلة الثانوية؛ حيث تتكون لديه القدرة على إضفاء قيمة ومعنى ومغزى، حسبما يتخطى الجدران المؤسسة التعليمية، ويكون لهذا المدى قيمة وفائدة، وعندما لا يتخطى خارج حدود المؤسسة التعليمية نرى أنه لابد من إعادة النظر في ذلك؛ فالنجاح وظيفية التطبيق لما نتعلمه، ومن ثم ينبغي أن تساعد البنى المعرفية طلابنا في تحسين مستواهم؛ ليتوافقوا مع متطلبات التعلم، وينسجموا مع بيئة التعلم، ويكتسبوا ماهية الواقعية.
ومن غايات التعليم الرئيسة ربط ما يتعلمه الطالب بواقعه، ويظهر ذلك الارتباط، في مدى تعامل الطلاب مع مشكلات الحياة الواقعية، ومدى استخدامهم خبرتهم الشخصية لحل تلك المشكلات، ومدى ارتباط معارفهم بالحلول الصحيحة، والممكنة لتك المشكلات، ولكي يحدث ذلك يتوجب أن يشترك كل من الطالب والأستاذ في محادثات جوهرية؛ فجميعنا يدرك أهمية الحوار بين الأستاذ والطالب، وارتباط ذلك بفهم عمق الموضوع الذي يدرسه الطالب.
وفي إطار التجديد الذي شمل مقررات المرحلة الثانوية ينبغي أن نهتم بتفعيل لغة الحوار أو الحديث الجوهري مع الطلاب، وأن نهتم بالتساؤلات التي تزيد من شحذ التفكير ومن تفاعلهم أثناء التعلم؛ حيث تسهم المحادثة الجوهرية في إحداث حالة من التفاعل بين مفردات التعلم، التي يدرسها طلابنا، كما تؤكد على وجود ترابط وتناغم بين موضوعات هذه المفردات، وتسمح بممارسة مهارات ومستويات التفكير العليا.
وتبدو المحادثة الجوهرية كآلية لتبادل الحديث بين الأستاذ وطلابه، فلا ينبغي أن يتحكم فيها الأستاذ بمفرده، مثل قراءة الأستاذ لمحتوى معين من المقرر، وتعد المشاركة في أفضل صورة لها، عندما يستطيع الطلاب التعبير عن أنفسهم، أو عندما يستجيبون بصورة مباشرة مع المشاركين السابقين بالتوجيه أو التعليق، أو يسألون بصورة لها معنى، تهدف لاستكمال بعض الجوانب لديهم في بنيتهم المعرفية.
والمرحلة الثانوية يحتاج فيها الطلاب للمساندة الاجتماعية بهدف الارتقاء بمستوى إنجاز الطلاب، ويتعلق هذا الأمر بماهية الاحتواء؛ حيث تقدير جهود المشاركة من قبل المتعلمين، ودعم السلوك الإيجابي في بيئة التعلم، وتقديم أنماط التعزيز التي تتناسب مع طبيعة ما يؤدى من مهام تعليمية؛ بالإضافة إلى تقديم الدعم حال الاحتياج إليه كصورة إجرائية للمساندة في شكلها الفردي أو الجمعي.
وما تناولناه من معايير تؤكد على أهمية تقديم الدعم لطلاب المرحلة الثانوية كي يحقق أهداف تعلمه وما يطمح الي تحقيقه في ضوء توافر لحدود الثقة في ظل مناخ تعليمي إيجابي يسمح بالمشاركة وتغليب لغة الحوار الفعال، والوثوق من مقدرة الطالب على الربط الوظيفي لما يتعلمه بما يؤكد سلامة البنية المعرفية وصحة الممارسة ومن ثم توافر الوجدانيات الإيجابية الداعمة؛ ليتأكد الطالب من أن الهدف الرئيس من تعلمه هو الارتقاء بخبراته.