يحتفل العالم باليوم الدولي لمحو الأمية والذي يوافق يوم 8 من شهر سبتمبر كل عام، وذلك إجلالاً وتقديراً لقيمة وأهمية التعليم باعتباره أهم مقومات التنمية وتقدم وازدهار الأمم، لذلك تولي معظم دول العالم ومنها الدولة المصرية أهمية كبيرة لمحو الأمية لإنشاء مجتمعات أكثر استدامة وعدلاً وسلاماً وإلماماً بمهارات القراءة والكتابة، مما يساعد على تعزيز الوعي والتثقيف والتنوير لدى الشعوب.
وفي ضوء ذلك الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تولي أهمية كبيرة جداً لقضية محو الأمية مدركة أهمية مكافحة الأمية في حل الكثير من القضايا خاصة الاجتماعية وتعزيز الوعي لدى المواطن المصري، وهو ما يتوافق مع مبادىء الجمهورية الجديدة التي تستهدف النهوض بالدولة المصرية وتحقيق التنمية المستدامة.
لذا أسعدني كثيراً اهتمام إدارة الحوار الوطني بقضية محو الأمية وإعلانها في سبيل احتفالها باليوم العالمي لمحو الأمية، أنها تولي أهمية خاصة لقضية محو الأمية المندرجة ضمن قضايا المحور المجتمعي، التي ستطرح على طاولة النقاش في الفترة المقبلة، إيمانًا منها بأن محاربة الجهل تبدأ بالعلم والمعرفة، وأن التعليم حق مكفول للجميع، فلا سبيل لرفعة هذا الوطن سوى بأمة متعلمة ومثقفة وعقول مستنيرة، وأنه لا بديل عن التحاور والتفكير والعمل المشترك، والجهد المتضافر من الجميع لمواجهة تحدياتنا معًا.
فالقدرة على القراءة والكتابة حق أساسي من حقوق الإنسان، وترتكز الشعوب على محو الأمية لإثراء معارفها واكتساب مهارات أوسع نطاقاً وقيم أعظم أثراً ومواقف وسلوكيات أعم وأشمل، فوفقا لبعض الإحصائيات لدى الأمم المتحدة - كان شخصاً واحداً على الأقل من بين كل سبعة أشخاص تبلغ أعمارهم 15 عاماً وما فوق (أي 754 مليون نسمة) غير ملم بالمهارات الأساسية لتعلُّم القراءة والكتابة في عام 2022، ويجد ملايين الأطفال أيضاً صعوبة في اتقان أدنى المستويات من إجادة القراءة والكتابة والحساب، في حين أنَّ ما يقرب من 250 مليون طفل تتراوح أعمارهم من 6 إلى 18 عاماً غير ملتحقين بالمدارس، وهو ما يقابله اهتماما كبيرا من مختلف الدول بمحو الأمية بين شعوبها.
ومصر تتفاعل مع هذه الجهود الدولية وتهتم كثيراً بمحو الأمية وتضعها أولوية؛ إذ أن معدل الأمية في مصر بلغ 16.1% (10 سنوات فأكثر) في عام 2023، بانخفاض قدره 1.4% مقارنة بالعام السابق، حيث بلغ معدل الأمية بين الذكور 11.4%؛ بينما بلغت معدل الأمية بين الإناث 21% في عام 2023، وذلك وفقاً لبيانات مسح القوى العاملة لعام 2023، الذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
واهتمام الحوار الوطني بقضية محو الأمية ينبع من اهتمام الدولة المصرية بهذه القضية، حيث وضعت الدولة خطة استراتيجية لإعلان (مصر خالية من الأمية بحلول عام 2030)، وكثفت جهودها في المناطق التي بها نسبة كثافة سكانية عالية، ضمن مبادرة حياة كريمة، وتم العمل على دمج فصول محو الأمية، كما فازت مصر بجائزة اليونسكو عام 2021 حيث إنها من أفضل 6 دول طبقت أفضل برامج لمحو الأمية وهم: (كوت ديفوار - الهند - غواتيمالا - المكسيك -جنوب أفريقيا- مصر)، وتُعد قضية محو الأمية من القضايا الهامة التي تسعى مصر للقضاء عليها، وقد تم إدراجها ضمن رؤية مصر 2030، وأهداف التنمية المستدامة (الهدف الرابـع) والذي ينص على "ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع".
وأرى أن اهتمام الحوار الوطني بقضية محو الأمية يتسق مع جهود الدولة المصرية في بناء الإنسان المصري ويتوافق مع المبادرة الرئاسية الخاصة بالمشروع القومي للتنمية البشرية «بداية جديدة لبناء الإنسان المصري»، فهناك تكاتف بين مؤسسات الدولة وبرز ذلك في جهود الجامعات المصرية بالتعاون مع الهيئة العامة لتعليم الكبار في محو أمية ما يقرب من مليون مواطن مصري، حيث بلغ عددهم (948,432) متحررًا من الأمية، كما تم مضاعفة أعداد من من تم محو أميتهم على يد طلاب الجامعات، وفقا لما أعلنته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وهو ما يُنبئ بنجاحات كبيرة ومتتالية في الأعوام القادمة، وصولاً للهدف المنشود، مصر بلا أمية عام 2030، تنفيذاً لسياسات الدولة وتوجيهات القيادة السياسية بالاهتمام بملف محو الأمية؛ باعتباره من أولويات الدولة المصرية وفقًا لأهداف التنمية المستدامة رؤية مصر 2030.
فنجاح مصر في القضاء على الأمية سيساهم في رفع مستوى الوعي وتعزيز جهود دعم التعليم ونشر الثقافة والمعرفة، فبالعلم تبنى الأمم وتزدهر الأوطان، والأمة المتعلمة هى ركيزة التنمية الشاملة والمستدامة للمجتمعات، ولطالما كانت الأمية في مصر تمثل ناقوس خطر يهدد أمن هذا البلد واستقراره، خاصة مع انتشارها في المناطق النائية ومحافظات وجه قبلي، وما نتج عنها من تفاقم لعديد من المشكلات الاجتماعية مثل الفقر والبطالة والزيادة السكانية وزواج القاصرات والتطرف وغيرها، ومن هنا، أصبحت مكافحة الأمية أولوية وطنية، حققت الدولة المصرية فيها تقدمًا ملحوظًا خلال الـ 10 سنوات الماضية، اتساقًا مع رؤية مصر 2030 التي تضع التعليم في صدارة أولويتها.
ومن الجدير بالذكر هنا أن التعليم ومحو الأمية من أولويات القضايا التي طرحت على طاولة الحوار الوطني في المرحلة الأولى، وحظيت باهتمام كبير من قِبل رئيس الجمهورية، وأسفرت المناقشات عن الخروج بمجموعة من التوصيات لتطوير منظومة التعليم قبل الجامعي، وضمان توفير تعليم جيد وعادل لجميع أبناء الوطن، من أبرز هذه التوصيات جاءت التوصية الخاصة بإنشاء المجلس الوطني الأعلى للتعليم والبحث والابتكار، هذه التوصية التي لاقت استجابة سريعة من مجلس الوزراء وصدر قرار بالموافقة على مشروع قانون إنشاء هذا المجلس في مايو من العام الجاري، ليكون هناك مظلة توحد وتضع سياسات شاملة للتعليم في جميع تخصصاته ومراحله، وتحقق التكامل بينها، وتراقب تنفيذها، بهدف تعزيز جودة التعليم وتطوير مخرجاته بما يتوافق مع احتياجات سوق العمل على المستوى المحلي والدولي، والدولة تحرص على الاهتمام بالتعليم وتحسين جودته والاهتمام بتعليم النشء والكبار في إطار تعزيز حق الإنسان في التعليم.
ولعل الاهتمام بمحو الأمية يعكس أهمية هذه القضية بالنسبة للمجتمع بأسره، حيث تلعب دورًا هامًا في بناء الفرد وتنمية المجتمع، وتحرير المواطنين من الأمية يسهم في تطوير قدرات الأفراد الشخصية ويحقق متطلبات التنمية المستدامة للمجتمع، ويساعد أيضًا على مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية والرقمية والثقافية في العصر الحالي والتفاعل معها بشكل إبداعي وفعال.
كما أن مكافحة الأمية ليست مسئولية حكومية فقط، بل هى جهود مشتركة تتطلب تفاعلًا مجتمعيًا وتعاونا فعالًا بين الهيئات التعليمية والجامعات والمؤسسات المجتمعية، مما يعزز دورها في التنمية المستدامة، وتمكين الأفراد من مهارات التعلم والتطوير المستمر، وبالتالي تسهم في بناء مجتمع مستنير ومتقدم.
وهناك ضرورة لتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التعليم، وتوفير فرص التعليم للجميع، وتنمية مهارات وقدرات الأميين، وإعدادهم للمشاركة في سوق العمل، لذلك الدولة المصرية مستمرة في تكثيف جهودها لمواجهة قضية الأمية من خلال تحسين منظومة التعليم وتوفير فرص التعلم للجميع، وتم تطوير برامج تعليمية مبتكرة ومتنوعة تستهدف فئات مختلفة من المجتمع، ابتداءً من الأطفال ووصولاً إلى البالغين، وهذه الجهود شملت أيضًا توفير بيئة تعليمية محفزة، تستخدم أحدث الوسائل التكنولوجية وتقنيات التدريس الحديثة، بهدف تعزيز فعالية التعلم وجعله أكثر جاذبية وفاعلية.
وهناك أهمية كبيرة لأن تسعى الدولة إلى محو الأمية بجميع أشكالها، بدءًا من الأمية التقليدية إلى الأمية التكنولوجية والثقافية، وتعزيز توفير برامج محو الأمية وتعليم الكبار في المناطق الريفية والنائية، لأن الأمية تعد أحد أهم التحديات التي تواجه المجتمعات النامية، فهى تؤدي إلى العديد من الآثار السلبية على الفرد والمجتمع، مثل انخفاض مستوى الوعي وزيادة الفقر والبطالة، وغيرها من القضايا الخطيرة على المجتمع.
وننتظر خلال الفترة المقبلة ما ستسفر عنه مناقشات الحوار الوطني لقضية محو الأمية وما سينتج عنها من توصيات ومخرجات، وأثق أن هناك توصيات مهمة ستخرج وستكون قابلة للتطبيق على أرض الواقع من أجل تحقيق الهدف المنشود «مصر بلا أمية».