إن الأزهر الشريف بكل مؤسساته وبما يحمله من رسالة سامية عبر تاريخه العريق الذي يربو عن الألف عام، يتبرأ بشكل صريح من كل فرد يحمل فكرًا شاذًا، ولا يدع مكانًا لكل خارج من الخوارج عن نسقه القيمي النبيل الذي يحض في مجمله على ماهية العقيدة الوسطية ومقومات الأمن الفكري في بلادنا الحبيبة، وستظل مؤسسة الأزهر منارةً متقدةً مضيئةً لا تنقطع جهودها أبد الدهر.
ومؤسسة الأزهر تُساهم في تشكيل بناء الشخصية، وتسعى من خلال مناهجها أن تصنع إنسانًا يمتلك أمنًا فكريًا يضمن انخراطه في مجتمعه والمجتمعات الإنسانية مشاركًا منتجًا فاعلًا في مواجهة التحدي، متغلبًا على كل ما يواجهه من صعوباتٍ، قادرًا على تحقيق أهدافه، راغبًا في تصحيح مساره، محبًا لمن يُهدي إليه خطأه ليصلحه، مقدرًا للحرية المسئولة التي تؤكد ما عليه من واجباتٍ، وما له من حقوقٍ، متمسكًا بنسق قيمي يتبناه مجتمعه كونه السياج الضامن للبقاء والاستقرار والنماء.
وأزهرنا الشريف يؤكد على أمر جامع يتمثل في تعزيز استقرار الوطن الغالي من خلال الحفاظ على النسق القيمي الذي يحل الحلال ويجرم الحرام بكل صوره؛ فما يقره بنيان المجتمع المصري الأصيل من مبادئ ومعايير تشكل في كليتها صورة المعتقد الوسطي ولبنة التفكير المعزز ببنى معرفية صحيحة، لا يشوبها تطرف أو انحراف؛ فصارت موجهة للسلوك الإيجابي الذي يحض على قيام الفرد بواجباته ويتحمل مسئولياته، ويدرك ما يحيط به وبمجتمعه ومعتقده من مخاطر تستهدف النيل منه، ومن كل ما يسهم أو يؤدي لإعمار وازدهار وتقدم ورقي للوطن في شتى مناحي الحياة ومجالاتها المتنوعة.
وبعيدًا عن شواذ الفكر الذي يتوجب استئصال شأفتهم نقول إن الأزهر الشريف يخرج لنا أجيالًا تمتلك الفكر الوسطي ومقومات الأمن الفكري؛ فنرى منهم من يبني ويعمر وينهض في بيئةٍ زاخرةٍ بالانتماء والولاء والمحبة والأخوة، وفق مبادئ العدالة والمساواة والاحترام والأمانة والصدق والشرف والنزاهة والشفافية والشعور بالمسئولية، وغير ذلك مما ندركه من أصول بناءٍ كامنةٍ في حضارتنا الراسخة المليئة بالنماذج الملهمة في كافة المجالات، والتخصصات العلمية، والعملية، والحياتية.
ونؤكد أن ما صدر من أستاذ في الأزهر فاقد الرشد والأهلية لا يعبر بحال عن مؤسسة شريفة تقوم على المنهج الوسطي المعتدل الذي لم يتحول، أو يتغير، أو يتبدل، منذ أن وضعت لبنته في أرض المحروسة، والمتبحر في مكنون منهج مؤسسة الأزهر يطالع أصل بناء الإنسان؛ حيث يرصد منظومة القيم الحميدة التي يتبناها في تشكيل جيل من شباب الأمة قادر على تحقيق النهضة غير المسبوقة في الكثير من مجالات الحياة العلمية والعملية والعقدية، وفق سلسلة من الخبرات النوعية التي تجعله قادر على الإنجاز والعطاء المستدام ما دامت نبض الحياة في عروقه.
وما صدر عن هذا الأستاذ الذي يعد شاذًا في فكره ورأيه، لا نعبأ به البتة، بل ونستنكره بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وما اتخذ تجاهه من إجراء يقوم على قانون منظم؛ فالمؤسسة متيقظة وتقف بالمرصاد حيال كل من يخرج عن منظومة القيم المجتمعية؛ فالأزهر يعظم كافة المسارات التي تؤدي إلى الابتكار، الذي يحقق النفع للأمة والعالم بأسره، وفي ذات الوقت يتفرد في توجيهه المقصود لأن يصبغه بنسق قيمي يقي الإنسان الوقوع في براثن السرقة والكذب والاحتكار والاستغلال والتمسك بالنفعية في صورتها المحضة؛ حيث إن رسالة الإنسان في الأرض واضحة لا لبس ولا جدال حولها وهي الإعمار، ومن ثم تراعي مؤسسات الأزهر المتعددة ومن يقومون على إدارة شئونها العمل على غرس بُنىً فكريةً قويمةً تُعد سياج أمنٍ وأمانٍ، وخبرات متنوعة تضمن تحقيق الغاية الحميدة.
إن ما يقدمه الأزهر من معالجات تسهم في تنمية وبناء الإنسان تجعل المجتمع المصري قاطبة يحيا حياةً تغمرها الطمأنينة؛ حيث تتناغم المعالجة الأزهرية مع طبيعة الثقافة لهذا المجتمع، وتصقل منظومته الثقافية التي تتضمن عقيدته وأفكاره الكبرى، ونؤكد بأن الأزهر، بل والمجتمع بأسره قادر على دحر محاولات تشويه الفكر؛ لأن ذلك من مهددات الأمن القومي والوطني للبلاد، كما أن كثرة اللغط والشطط حول قضايا مصدرةٍ من شواذ الفكر والرأي يقوم على مبادئٍ وقواعدٍ مبتدعةٍ لا أساس لها من الصحة.
نوقن بأن الأزهر يتبرأ على الفور من شواذ الفكر، وستظل مؤسسته سباقة في عطائها المستدام؛ فنرى أن التجديد في المنهجية الأزهرية يقوم على الصدع بالحق ومقاومة وبتر الأباطيل؛ فهذا دون شك قائم على مسلمة يعترف بها أصحاب العقول الراجحة والقلوب النقية والوجدان الراقي، وهي أن الصحيح ما تستحسنه النفس ويؤلفه القلب؛ فمقاصد الشريعة تحرم السرقة والكذب وكل فعل مشين لتحافظ على البشر والوطن على السواء.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
________
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر