خلال عدة أسابيع سوف تكون الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد انتهت وتم إعلان نتائجها، ليجلس رئيس جديد فى البيت الأبيض، وعلى مدى السنوات الأخيرة لم يعد الرهان على تغييرات فى السياسات الأمريكية كبيرا، خاصة فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، خاصة أن توجهات الرأى العام الأمريكى الانتخابية تتعلق بالضرائب والوظائف والدخول والاقتصاد، وتأتى السياسة الخارجية فى ذيل الاهتمامات، بل ربما كان تأثير السياسات الأمريكية على السياسة الدولية أضعف من أى وقت، فقد ساهمت سياسات الرئيس الأمريكى بايدن والغرب فى إشعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بسبب سياسات تراها روسيا استفزازية، فى الفناء الخلفى لروسيا.
وخلال السنوات الأخيرة تصاعدت أزمة النظام الدولى، الذى يعجز عن مواجهة الأزمات والصراعات فى العالم وانعكاساتها الاقتصادية تتضاعف من دون أفق، حيث يتواصل العدوان الإسرائيلى على غزة، فى حرب إبادة تعجز المنظمات الدولية عن وقفها، أو مواجهة العدوان، وتقف الولايات المتحدة مع العدوان، ويفقد النظام العالمى ما تبقى من إنسانيته أو احترام القانون الدولى الإنسانى، بينما تقترب الحرب فى أوكرانيا من عامها الثالث فى فبراير المقبل لتصبح ضمن الصراعات المزمنة، وتدفع دول العالم ثمنا باهظا لـ«صراع نفوذ» بلا أفق.
ولم يعد ضعف وتراجع النظام الدولى خافيا، وقد عبر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، عن أزمة النظام العالمى، قائلا «النظام العالمى القائم أصبح ضعيفا، ويتعقد يوما بعد يوم»، لافتا إلى أن هناك خطرا يواجه أوروبا مع تراجع ثقلها الدولى وصعود قوى أخرى، وأضاف ماكرون «لا يمكن التقليل من المحاولات التى تطلقها مجموعة بريكس للتوسع وإقامة نظام عالمى جديد».
ولا تبدو أن هناك نتائج للانتخابات الأمريكية فى مواجهة أزمات العالم أو انعكاسات الصراعات على الاقتصاد فى صورة تضخم وارتفاعات أسعار، تصل إلى كل دول العالم بدرجات متفاوتة، بينما المنظمات الدولية والدول الكبرى، والنظام العالمى الحالى، عاجزون عن مواجهة الأزمات، وتظهر الولايات المتحدة كطرف مشارك فى حرب روسيا وأوكرانيا، سحبت معها أوروبا فى مواجهة كان يمكن السيطرة عليها، تفاقمت وتفاعلت من دون آفاق للحل.
ولا يوجد أفق لإنهاء الحرب، فقط هناك تصريحات انتخابية من الرئيس السابق دونالد ترامب يرى فيها أن بايدن تسبب فى الحرب وأنه لو كان رئيسا ما اشتعلت الحرب فى أوكرانيا، وفى غزة هناك سباق بين الجمهوريين والديمقراطيين على إعلان دعم إسرائيل فى حربها التى تعتبر أكثر الهجمات وتتضمن سعيا لتدمير غزة وإبادة سكانها، بمزاعم القضاء على حماس، أو استعادة المحتجزين، مع عجز الولايات المتحدة عن تمرير قرار مجلس الأمن الذى طرح مشروعه الرئيس بايدن.
وحتى بعد إعلان بايدن عدم خوض الانتخابات، ودخول نائبته كامالا هاريس، السباق أمام دونالد ترامب، ما زالت هناك علامات على تراجع قدرة الولايات المتحدة على ممارسة دورها كقوة كبرى، ودخولها فى معترك منافسات وصدامات مع قوى أخرى، مع الانسحاب فعليا من أفغانستان والعراق، وغياب القدرة على ممارسة نفوذ، حيث استمرت حرب إسرائيل على غزة لأكثر من 11 شهرا، وعجزت الإدارة الأمريكية عن التدخل، ليس فى غزة ولكن أيضا فى كل النزاعات والأزمات العالمية.
غياب صورة الولايات المتحدة التى شاعت فى التسعينيات من القرن العشرين، وظهرت خلال العام الماضى رؤية لمحللين غربيين، بأن موسكو تضاعف من سعيها لمواجهة نفوذ الغرب والولايات المتحدة، وتسعى لتغيير قواعد اللعب فى النظام العالمى الذى يواجه أكبر قدر من الرفض من قبل دول العالم، ولهذا ظهرت تحالفات اقتصادية وسياسية خلال عام 2023، يمكن أن تثمر خلال سنوات عن تغيير توازنات القوة فى العالم، لتكون أكثر قدرة على التفاعل بعيدا عن نظام دولى يثبت فشله بشكل مستمر.
وكان توسيع تجمع «بريكس» فى أغسطس 2023، أكبر مواجهة لاختلالات النظام الاقتصادى ورغبة الدول والتجمعات الإقليمية والسياسية، للمطالبة بإصلاح الأمم المتحدة ومعها المنظمات التى قامت ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومع صعود اقتصادات دول مثل الصين والبرازيل والهند، وطموحات دول مثل مصر وجنوب أفريقيا، ورغبة دول مثل السعودية والإمارات العربية فى انتهاج طريق للتنمية المستقلة، وهى مطالب لا يساعد النظام الاقتصادى الحالى فى تحقيقها.
وتحدث الرئيس الصينى شى جين بينج أمام القمة 15 لبريكس فى جوهانسبرج، عن عالم أكثر «إنصافا وعقلانية» يضمن مصالح أطراف متعددة، وليس طرفا واحدا، وكان الإعلان عن توسيع تجمع بريكس وقبول 6 دول أعضاء جدد أهمها مصر وإيران والسعودية والإمارات، تعبيرا عن رغبة وطموح فى إعادة تشكيل النظام الذى لم يعد مناسبا للواقع وحجم التأثير والنفوذ الاقتصادى.
الشاهد أنه وسط استطلاعات الرأى والمناظرات بين كامالا وترامب، فإن السباق لا يخفى تراجع صورة وقدرة الولايات المتحدة، وأن العالم يواجه أزمة كبرى، ودعاوى لإصلاح النظام العالمى الضعيف، والعاجز، مع تراجع واضح يضاعف من مطالب تشكيل نظام عالمى جديد يتناسب مع تحولات اقتصادية وسياسية، تتطلب نظاما جديدا يتفاعل على مدى عقود، بينما الرهان على الانتخابات الأمريكية هو رهان على سراب.
اليوم السابع
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة