سمعنا كثيرًا عن الشخص الذي يُردد مقولة: "لدي القدرة على نُصح الآخرين، ولكنني أفشل في نُصح نفسي"، وبالمُناسبة، هذا الشخص ليس فاشلًا، ولكنه يملك قدرات مُرتبطة بالغير، فهو يجد مهاراته وإمكانياته في أن يكون قدوة أو قائد أو ناصح، لأنه يستمتع بهذا الشعور فيُخْرِج أفضل ما عنده، ولكنه يفقد حالة الشغف مع نفسه، لأنه لا يجد نظرة الانبهار التي يجدها في عيون الآخرين، لذا فهو شديد الإيجابية مع العناصر الخارجية، في حين أنه مُفعم بالسلبية مع نفسه، وهذا الشخص لا نقول له "حاولْ"، لأنه في هذه الحالة يكون مثل الشخص الأعسر الذي يكتب بيده اليُسرى، فعندما نضغط عليه في الكتابة باليد اليُمنى، لا تأتي تلك المحاولات بأية نتائج مُرضية، لأن قدرات الكتابة لديه في الجزء الأيمن من المُخ على عكس الطبيعي،، فهنا نكون في حالة مُحاربة للطبيعة التي خلقه عليها المولى عز وجل، وهكذا فالشخص الإيجابي مع الغير، في حين أنه يفتقد تلك الإيجابية مع نفسه، لا يُمكننا أن نضغط عليه، بل الأحرى أن نضعه في موضع المُستمع ونُحضر له مَنْ يُرشده ويدله ويُوجهه.
فالأزمة التي تُواجه الإنسان هي نقد الآخرين له عندما يُخفق مع نفسه، في حين أنه ينجح مع غيره، وهذا الأمر طبيعي ومنطقي للغاية، لأنها في النهاية مسألة قدرات، فهناك مَنْ خُلِقَ ليُعَلِّم، وآخر خُلِقَ ليتعلم، وهناك القائد، وآخر مُنفذ للتعليمات، وهذا لا يعني أن الأول أفضل من الثاني، بل على العكس تمامًا، فكليهما مُبدع في مجاله، وإيجابي في مكانه، وكليهما لا يستطيع الاستغناء عن الآخر، لأنهما يُكملان بعضهما البعض.
وأخيرًا، فعلى كل إنسان ألا يُجبر نفسه أن يكون مُؤهلًا لكل شيء في الحياة، وعليه أن يستمتع بقدراته وإمكانياته، وألا يضغط على نفسه فيما لا يُمكنه الإتيان به، بل عليه أن يعيش كل حالاته الإيجابية والسلبية، ويُؤمن بأنه لم يُخْلَقْ لكي يكون قادرًا على كل شيء في الحياة، بل إنه مزيج بين كل العناصر الإنسانية، فهو مُيسر في شيء وأعسر في آخر، ولا غضاضة في هذا الأمر على الإطلاق، ولا ينتقص منه في شيء.