عندما نتجمع حول مائدة الذكر والسيرة العطرة وطرب الإنشاد الديني الذي يثلج الوجدان وحلاوة الثناء على صفات النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن ما يمارس من تبعات حول هذا الاحتفاء بذكرى خير البرية من صلاة وصيام وقيام يدل دلالة قاطعة على ما يكنه كل مؤمن بالله من محبة بالغة لسيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا ما نرصده في ذكرى مولد نبينا الذي أتى رحمة للعالمين.
ونود الإشارة إلى أن الاحتفال بالذكرى العطرة لها من الضوابط ما يجعلنا ننال به الأجر والمثوبة، ونتجنب ما قد يجعلنا ندور حول الحمى؛ إذ ينبغي أن تخلص القلوب وفق ما شرعته العقيدة؛ فيصبح تجمعنا في ذكراه الكريمة رحمة ومغفرة سواءً أكان في المسجد أو في ساحات عامة أو في أماكن لا تعيق أمور الناس ولا تقيد حركتهم ولا تضير بمصالحهم؛ فرسالته صلى الله عليه وسلم سامية دعوتها للإصلاح والصلاح المتلازمين.
إن الأفئدة تتقد بذكرى نبينا صلى الله عليه وسلم فمحبته وتعظيمه من الأمور التي حض عليها الشرع الحنيف، كيف لا وقد ورد أصل ذلك في كتاب الله العزيز حيث قال جل في علاه (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران: 31، ونص الآية الكريمة صريح بوجوبية محبته عليه أفضل الصلاة والسلام، وتلك والله مرتبة عالية ودرجة من الإيمان تؤكد صدق الاتباع، ومن ثم فهي من مسببات غفران الذنوب والفوز بالجنان.
وذكرى مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام يؤصل لمراجعة الخلق الكريم والاقتداء بنهجه النوراني في أقواله وأفعاله التي ستظل نبراسًا نهتدي به؛ فمحمد ابن عبد الله لم ينطق عن الهوى؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ فيما يبلغه عن الله، قال تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم: 3، 4، وهذا دلالة على المقام الرفيع لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكرى المولد خير البرية فرصة عظيمة تشحذ من خلالها الطاقات وتعلو الهمم تجاه ممارسة سنته العطرة؛ فنرى ملامح الهدى والنور في سلوكيات الصوم والذكر وقراءة القرآن وصور وبديع الإنشاد الذي يبعث البهجة في القلوب، وفي المقابل يحذر من اقتراب السلوكيات غير القويمة.
ونوقن بأن الاحتفال بمولد الرسول العظيم يؤكده اتباع سنته والسير على هداه والتحلي بأخلاقه الكريمة في شتى مظاهر الحياة وكافة المعاملات والتعاملات بين الناس ومعهم؛ فدعوته سمحاء تؤكد على السلم والسلام وتبغض شتى صور الظلم والجور والطغيان، كما أن شجاعته صلى الله عليه وسلم تؤكد على الحق والتمسك به والتعاون والتشارك في دحر الباطل وأهله.
إننا نحرص على إحياء سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام من كان خلقه القرآن؛ فالرحمة والرأفة والكرم من طيب خصاله؛ فقد بعث ليتمم مكارم الأخلاق التي بها تعيش المجتمعات في محبة ووئام وتعمل على الإعمار وتتخلى عن عبودية المال والنفس وتتحلى برفيع الأخلاق التي ترفع من قدر الإنسانية لتربو عما سواها من شهوات وغرائز مهلكة في الدارين.
ومكانة المصطفى عليه الصلاة والسلام محفوظة بالقلوب ولها قدر عظيم في النفس وحبه أكثر من الولد والأهل والمال مقدم دون جدال، وتلك المحبة مقترنة باتباع سنته الزكية، ولنا في صحبه الكرام الأسوة؛ فقد كانوا رضوان الله عليهم متفانين في حبه وهذا ثابت من سيرة النبي العطرة، ويؤكد في وجداننا ما يتوجب علينا فعله من صالح وطيب الأعمال التي ننال بها رضا المولى عز وجل، وشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم.
و يُعد احتفال الأمة الإسلامية بالذكرة العطرة لميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فرصة للتأمل في القيم والتعاليم التي أرساها نبينا الكريم، حيث تتجلي رحمة النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أعدائه قبل أصحابه على حد سواء مما يعلمنا التسامح ونشر الحب بين الناس فكان علي أفضل الصلاة والسلام نموذجًا لمكارم الأخلاق، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وتُعد ذكرى ميلاده العطرة فرصةً لتجديد العهد على اتباع سنته والتمسك بقيمه؛ فلنجعل من هذه الذكرى دافعًا للعمل بشكل أفضل في حياتنا وتربية أبناءنا والأجيال القادمة على القيم النبيلة؛ لبناء مجتمع أكثر تماسكًا وإنسانية، يعكس تعاليم نبينا وتعاليم ديننا الحنيف.
وفي النهاية؛ لنكثر من الصلاة على النبي الكريم صلي الله عليه وسلم في صلواتنا وأدعيتنا وفي كل وقتا وحين؛ فهي عبادة عظيمة تعكس محبتنا للنبي وتعزز علاقتنا بالله عز وجل؛ فاللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللَّهمَّ أحينا على سُنته، وأمتنا على سُنته، واحشرنا في زُمرته، وارزُقنا شَفاعته، وأوردنا حوضه، واسقنا من كأسه شربة لا نَظمأُ بعدها أبداً، غير خزايا ولا نادمين، ولا فاتنين ولا مَفتونين، اللّهم متعنا برؤية وجهِه الكريم في الدُّنيا والآخرة، وأكرِمنا بمُصاحبتِه وآله وصحبه في أعلى عِلِّيين، وصلي اللهم عليه وعلى جميع النبيين والمرسلين وسلّم تَسليماً كثيراً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة