البهجة والموهبة، عنوانان مهمان لرسوم وأعمال وخطوط فنان الكاريكاتير أحمد قاعود، والذى نجح دائما فى انتزاع الابتسامة بأعمال تتناول قضايا جادة، ولهذا فهو فنان ساخر، والسخرية هنا ليست تهريجا أو مجرد « إفيهات»، لكنها مفارقة فى الشكل والمضمون تنتزع ابتسامة وتدعو للتفكير.
وخلال عمره القصير حرص أحمد قاعود على استخدام خطوطه وفنه وموهبته، فى فترة من أكثر مراحلنا السياسية والاجتماعية ازدحاما بالتحديات والأسئلة، وظل طوال عمره القصير يرفع علم مصر ويكتب عنها بعشق ويتصدى للكثير من القضايا بسخرية وإيمان بأن للفنان رسالة تجاه القارئ والمشاهد والمتذوق.
وعلى مدى سنوات بقى أحمد قاعود ممسكا بريشته، قابضا على موهبته، بالرغم من أنه كان يعانى من مرض مناعى شديد القسوة، ومع هذا تمسك برضا وصبر غير مسبوقين، وهو يعمل فى منطقة مهمة تتعلق بالوعى وفى مرحلة مهمة من تاريخ مصر، حاسما اختياره بالانحياز لمصر الوطن والمواطن، والإنسان، يتصدى للشائعات والحملات برسوم خفيفة الدم عميقة المضمون، من دون مواربة أو إمساك للعصا من المنتصف.
قبل أكثر من عامين فى يناير 2022، حضرت معرضا لأعمال أحمد قاعود، فى بيت السنارى التابع لمكتبة الإسكندرية، وكان الحاضرون بأعداد كبيرة من رسامى الكاريكاتير وأعضاء جمعية الكاريكاتير وفنانين وزملاء، احتفوا بالفنان يومها، وبالرغم من مرضه تحامل على نفسه، ووقف يتحدث ويتبادل الود مع الجميع، كان ودودا باسما يتغلب على آلامه، ليقدم أجمل ما فى ريشته من فنون، وأذكر من الحضور فى هذا اليوم الصديق الفنان الكبير عمرو فهمى، والزميل النائب محمود بدر، والفنان رضا إدريس، وعدد من الشخصيات العامة.
كان المعرض باسم «أحمد قاعود حدوتة مصرية»، تزينت جدران بيت السنارى بأعمال قاعود التى تنوعت وعالجت كل القضايا بخفة وسخرية وعمق، حتى فى القضايا شديدة الجدية والمتعلقة بالتطرف وحملات الخيانة وقنوات الشر، فقد أجاد قاعود التعامل معها، وحرص على إظهار التحولات التى تشهدها مصر، وربما للمرة الأولى يمكن أن يبتسم القارئ من كاريكاتير يتصدى لشائعات أو يسرد التحديات الداخلية والخارجية ويضعها فى قالب رأى يلخص الكثير من التفاصيل، بل وامتلك أحمد قاعود خطا مميزا وخطوطا ترتبط به وتعرف القارئ به حتى قبل أن يرى التوقيع.
فن الكاريكاتير راقٍ عميق، يختصر الكثير من الكلام ويقدمه فى لمحة خاطفة، والفنان أحمد قاعود بقى دائما يتحدى نفسه، ويقدم أصعب الأفكار فى صورة مبهجة، بجانب أنه كان ينتصر طوال الوقت على آلامه المبرحة، يكتمها، ويحتفظ بها داخله، من دون أن يظهرها للقارئ، ووسط آلامه ظل ينتج أفضل وأروع الرسوم.
أحمد قاعود ينتمى إلى مدرسة الفنان الراحل مصطفى حسين، من حيث الخطوط الواضحة التى تحمل فى ذاتها قدرة على التعبير الساخر عن المعانى، بجانب أنه كان يتابع ويقرأ ويقدم خليطا من الفن والرسالة من دون أن يتجاهل أهمية دور الفنون فى توضيح الأفكار والتعبير عن شعور وطنى جارف، ويرى أن كبار المطربين والمطربات وعلى رأسهم أم كلثوم أكثر من يخدمون اللغة العربية.
أحمد قاعود له بصمته المتميزة فى عالم الإبداع، ومزج بين السياسى والاجتماعى، رغم أنه بدأ من فن البورتريه، فقد بقيت هذه العلامات فى رسوماته، ويعالج قضايا وموضوعات حدثية تشغل الناس، ستجد رسوماته عن محمد صلاح وأبطال الأولمبياد، وقضايا مثل حياة كريمة والمشروعات الكبرى، كل هذا برشاقة وجاذبية، وأفكار واضحة ومباشرة قادرة على الوصول إلى كل شرائح القراء على اختلاف اهتماماتهم ومستوياتهم الثقافية، فقد حرص على أن يخوض معركة الوعى للنهاية، قابضا على ريشته، وآلامه، حتى رحل تاركا علامات على طريق الفن والوطنية.