أصبحت الحروب فى عصر التقنيات والتكنولوجيا الحديثة مختلفة بشكل كلى عما اعتادت عليه الشعوب فى الماضى، حيث اعتمادها على المواجهات العسكرية والاشتباك المباشر على أرض الواقع، فباتت الحروب فى عصر الجيلين الرابع والخامس، تكنولوجية بامتياز، تعتمد على التقنيات الحديثة وآليات التعامل عن بُعد، ما يضمن مزيدا من الدقة فى تحقيق الأهداف ودون أى خسائر فى الأرواح من الطرف الذى بادر بالحرب.
ومنذ أحداث غزة فى السابع من أكتوبر الماضى، بدأ الحديث بشكل جاد عن مخاطر هذا النوع من الحروب، حيث اعتماد إسرائيل عليه بشكل كبير وما يتضح عمليًا أمام الجميع، سواء فى مواجهتها بداخل القطاع، أو خارجه، فهى على قدر عالٍ من الدقة فى استخدام آليات التحكُم عن بُعد، سواء عبر طائرات مُسيرة لإصابة أهداف بعينها، أو فى عمليات التجسس والاختراق والاغتيال لعناصر تُحددها، إضافة إلى استخدام عدد من البرامج المُعتمدة على الذكاء الاصطناعى، التى تعتمد عليها تل أبيب بشكل رئيسى فى جمع المعلومات والبيانات وأيضًا النيلّ من عددمن الأفراد التى تتعقبها، من حركة حماس وغيرها من العناصر المُقاومة للاحتلال الإسرائيلى والمُدافعة عن القضية الفلسطينية وأمن المنطقة القومى.
وجاءت حادثة أجهزة الـ«بيجر» فى لبنان، كدليل إضافى على مدى اعتماد إسرائيل على هذا النوع من الحروب وتوسعها فى استخدام التكنولوجيا الحديثة، خاصة فى ظل ضعف قدرتها العسكرية فى أرض المعركة؛ مُنذرة بهذه التصرفات التى نشهدها عبر الأشهر الماضية، بحرب شاملة باتت ملامحها فى تصاعد يومًا بعد الآخر اعتمادًا عن تكنولوجيا الحرب عن بُعد جنبًا إلى جنب مع اعتمادها على الحرب النفسية التى طالما اعتمدت فيها على وسائلها الإعلامية المختلفة، وقد تنامى اعتمادها على الإعلام مع ظهور الوسائل الحديثة، حيث الإنترنت والسوشيال ميديا، ما ساهم فى تسريع وتيرة نشر شائعاتها ومعلوماتها المُضللة التى تهدف فى نشرها لتحقيق أهدافها، ورسم صورة ذهنية وهمية حول قوتها وقدرتها وأحيانًا مظلوميتها وفى أوقات أخرى لبثّ روح الهزيمة فى الأطراف المُواجهة لها.
كما يأتى الحادث مؤكدًا أن الممارسات الإسرائيلية باتت كممارسات الجماعات والعناصر الإرهابية، التى تعتمد على نشر التطرف والكراهية وتوسيع دائرة الاتهامات والاستهدافات والتفجيرات التى يقع ضحيتها عدد كبير من الأبرياء، فكما رأينا فى بعض المقاطع المتداولة للحظات سقوط حاملى «البيجر» فى لبنان، أنه كان يُحيط بهم عدد من الأبرياء ممن تأثروا بتلك الانفجارات، فكان الضحايا من الأفراد سواء أنفسهم أو خسائر لمنشآتهم، دون النظر لهذه الزاوية من الأحداث، ما يُشير إلى أن النهج الإسرائيلى بات نهجًا إرهابيًا، يوقع بالأبرياء دون أى اعتبارات إنسانية، فما بين غزة ولبنان مأساة إنسانية أصبح بطلها الاحتلال.