من البداية إن الحرب فى غزة، تحول كبير وليست مجرد جولة مواجهة عسكرية، هى تحول فى الكثير من المفاتيح وموازين القوة والنفوذ، بصرف النظر عن المواقف الأخلاقية أو المشروعية التى تستند إليها، وهى تحولات قلنا من البداية إنه على الأطراف المختلفة أن تقرأها وتبدأ فى دراستها لتتعامل بأشكال مختلفة، الاحتلال يرتكب الكثير من الجرائم، لكنه أيضا يصر على التعامل علنا مع إيران وحزب الله بعد أن كانت المواجهة بالوكالة على مدى سنوات.
وبعد أن تجاوزت لعبة المواجهة والصراع الحرب فى غزة إلى مواجهات واختراقات واغتيالات وتهديدات، توازيا مع اتصالات وصفقات، حيث ظلت إيران طرفا ظاهرا مباشرة، بالتمويل وربما التخطيط والتدريب، وبعض الإعلانات الدعائية من الحرس الثورى، لكن إسرائيل لأول مرة ترد بطائرات موجهة وصواريخ واغتيالات نوعية، فقد خططت إسرائيل ونفذت اغتيالات لقيادات حزب الله، فؤاد شكر، رئيس أركان حزب الله، وعلى نزيه عبد على، القيادى فى الجبهة الجنوبية، وحوالى 400 قيادة من حزب الله وشخصيات إيرانية تم تنفيذ اغتيالاها بتتبع أجهزة المحمول، أو السيارات والمنازل وخطوط السير، وكانت عمليات الاغتيال تتم كاشفة عن اختراقات أمنية وتقنية باستخدام تكنولوجيا متطورة، بل إن اغتيال إسماعيل هنية فى مقر إقامته بطهران، بعد يوم من اغتيال فؤاد شكر رئيس أركان حزب الله، بدا استعراضا للقوة، وإثباتا للتفوق بشكل واضح واختراقات استخبارية متنوعة.
ثم جاءت عملية 17 سبتمبر فى لبنان، والتى تضمنت انفجار آلاف من أجهزة «البيجر» كان يحملها قيادات من الحزب جنوب بيروت، وفى سوريا أصيب المئات من أعضاء حزب الله بصورة بالغة، قدروا بـ1500 جريح ووفاة 5 أو أكثر، ومن بين القتلى نجل النائب فى حزب الله على عمار مهدى، فضلا عن وقوع إصابات فى صفوف أبناء مسؤولين فى حزب الله بعضها خطرة.
أنظمة النداء، المعروفة أيضا باسم «البيجر»، هى أجهزة اتصالات لاسلكية مصممة لاستقبال الرسائل القصيرة، وتستخدم بشكل أساسى فى خدمات الطوارئ والمستشفيات، تعتمد على ترددات الراديو مثل «بى أو سى إس إيه جى» أو «فليكس» لإرسال التنبيهات فى اتجاه واحد، ظهرت أجيالها الأولى قبل ظهور المحمول للتواصل واستدعاء الأطباء أو الجراحين أو العاملين فى مؤسسات تستلزم التواصل ليتصل المتلقى بالعمل، ومؤخرا واضح أن حزب الله بعد حدوث اختراقات لأجهزة المحمول، استعان بصفقة من البيجر، تم تفجيرها عن بعد.
أغلب التفسيرات ترى أن التفخيخ تم من طرف البيع، أى أن الموساد اخترق البائع، وبالتالى فقد واصل تفوقه فى عملية تزامنت لتبدو نوعا من الهجوم الضخم، مع استبعاد أن يكون قد تم تفجيرها بشحنات كهربية، لكن فى كل الأحوال نحن أمام تحول كبير فى الحرب الحالية، وربما المواجهات القادمة، لا تقوم على الأبنية والأنظمة التقليدية، لكنها تتضمن حربا سيبرانية واختراقات وهاكرز، تمثل توظيفا للتقنيات وتفوقا فيها، وسباقا فى حرب التجسس والاختراقات والمعلومات، تسجل فيها تل أبيب تفوقا.
من الواضح أن بنيامين نتنياهو يصر على فتح جبهات متعددة للحرب، ويصعد من المواجهة مع إيران وحزب الله، بالرغم من أنه فشل فى جرها إلى مواجهة كبرى، ويبحث نتنياهو عن غطاء لمواصلة الحرب، ويرفض المساعى والمحاولات لوقف الحرب، لدرجة أن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى جولته العاشرة منذ أكتوبر الماضى، يحاول دفع المبادرة المصرية الأمريكية القطرية، ما يجعل الحرب فى غزة تحولا كبيرا وعميقا فى شكل ومضمون الصراع الذى تجاوز العقود السبعة بين الفلسطينيين، تحولات تعكس قوة وقدرات بعض المعسكرات والدول بعد أن غادرت المواجهة التهديدات والوكالة إلى مواجهة علنية تضاعف من سباق التسلح والمعلومات فى المنطقة.