أتحدث بمقال اليوم عن ظاهرة مؤسفة قد اجتاحت المجتمع المصري لتصيبه بخلل وتضربه بقاماته وقيمه التي عهدناها بالماضي.
فلم يعد لقب السفير أو الدكتور أو سيادة المستشارة وسيادة المستشار يحمل أي قيمة من أي نوع، بعدما أصبح أرخص مما يتصور أحد وبعد أن فقد هيبته ومصداقيته، إذ أنه بات يوزع على كل من هب ودب ومن خلال أي جهة غير ذات قيمه لتمنحه هذا أو ذاك أو حتى ربما يختلق هذا المدعي لقباً دون أن تكون له أية أمارات.
إذ يتكون السي في الخاص به مثلاً على وسائل التواصل من قائمة طويلة جداً أغلبها كذب وادعاء وما تبقى منها شرفي لا أساس له و لا حيثية.
وهذا ما دفع بالمجتمع إلى تصدر الأنصاف وغير المؤهلين وأشباه الموهوبين الصورة!!
فى حين تتراجع جميع الكفاءات والمواهب وأصحاب الإمكانات فى الصفوف الخلفية.
وعلى سبيل المثال :
تلك الدعوة التى تم توجيهها إلى للحضور كمتحدث بإحدى الجلسات، التي كانت باسم المستشارة الدكتورة..
وبسلامة نية وبما أن المكان محترم وقائمة المدعوين أكثر احتراماً، والموضوع فى صميم اهتماماتى وكتاباتى عن المرأة، قد قبلت الدعوة.
وإذ بي:
أفاجأ أن كلمة المستشارة التى ظننت أنها بسلك القضاء، كانت للعلاقات الأسرية، التى يعلن نفسه مستشاراً بها نصف سكان مصر.
وأن الدكتوراه، ليست بالضرورة أن تكون حقيقية، بل غالباً شرفية أو غير ذلك، وأن التكاليف التى تم صرفها بمثل هذا المؤتمر وما على شاكلته، لو كان تم توجيهها للمساعدة بأى ملف حيوى، أو لفقراء الصعيد والمرضى وكبار السن، لكان خير لهم وأبقى.
هل نعتبر هذا الوضع المعوج بفعل تطور الحياة الذى لا يتوقف ولكن فقط للأسوأ؟
ولم تختص مصر والمنطقة العربية بشكل عام بهذه الظاهرة؟
هل تعتبر تلك الظاهرة من أهم أسباب تراجعنا للخلف فى حين يتقدم العالم للأمام باستمرار دون توقف؟
حيث تفردت مصر فى العقدين الماضيين بهذا الوضع المقلوب فى كافة المجالات وعلى كافة المستويات!
فلم تعد الكفاءة معيار لأى شىء، فليس بالضرورة أن يكون الطبيب الأشهر و الأعلى سعر هو الأكفأ ، ولا المغنى الأشهر هو الأكثر موهبة والأجمل صوتا ولا الكاتب الأشهر هو الأفضل والأبدع ولا الفنان المتربع على عرش النجومية والأعلى أجراً هو المستحِق عن جدارة لأسباب النجومية!
فقد فوجئت عن نفسى من باب الصدفة بأشخاص أعرفهم. جيداً وأعرف مؤهلاتهم الدراسية والمهنية تتم استضافتهم كإعلاميين ومحللين سياسيين ومستشارين ليتحدثوا عن الوضع الداخلى والخارجى للبلاد ويصدرون أفكارهم لجماهير المشاهدين دون أدنى شعور بخطورة هذا الموقف الذى قد يتسبب بكوارث فكرية و تصدير وجهات نظر غير مسئولة تتداولها الناس و خاصة بعد تلقيها من فلانة أو فلان الإعلامى والمحلل والدكتور المستشار المرموق كما تم التنويه عنه!
كما صادفت من هذه النماذج الكثير ممن أعلم جيداً أنهم حتى لم يكملوا مراحل الدراسة الثانوية وليست فقط الجامعية!!
صحيح مولد وصاحبه غايب، وكل اللى عنده واسطة وشوية، علاقات على "حبة" تسهيلات يتصدر المشهد ويُصدر أفكاره الهشة الفارغة المدعية إلى عدد لا بأس به من الجماهير، ثم نتعجب بعدها ما الذى أصاب مجتمعاتنا بالجهل والتراجع وتدنى الأداء وفساد الأذواق.
فقد أصاب هذا الجرم المجتمعى الذى لم يلتفت أحد لمدى خطورته على الأجيال الجديدة، جيلين أو ربما ثلاث وما زالت الكارثة مستمرة بشراسة!
يا أولى الأمر فى كل المجالات:
افسحوا الطرق لذوى الكفاءات، وامنحوا الفرص لمستحقيها الذين تواروا تحت أتربة الزيف والكذب والبالونات الممتلئة بالهواء فحسب،
فإن حقاً تمت السيطرة على تصدر الأنصاف وعديمى الكفاءة والكاذبين ليخرج للنور ويفيد المجتمع كل موهوب ومؤهل فى مجاله دون وساطة أو محسوبية أو خلافه، لربما تنصلح الأحوال وتستقيم الأوضاع المقلوبة وحينها ربما نستطيع أن نلحق بمن سبقنا إليه غيرنا.