من المسلم به أن الإلحاد المعاصر يحض الفرد إلى التحرر من ضوابط الاجتماعية والخروج من عباءة الخير المشفوع بالعطاء والتضحية ولم الشمل والمثابرة من أجل تحقيق الغايات المنشودة حيال إعمار الأرض وشيوع السلم والسلام والمحبة والوئام، وهذا حتمًا يؤدي به إلى الأنانية ليخدم تطلعاته ويفي بمتطلبات رغباته ونزواته.
ونعي أن الملحد لا منزع لديه ولا مجال للتفكير في إفادة الآخرين وتقديم ما ينفعهم أو يسعدهم؛ فالفقراء والمحتاجين وماهية التكافل والتضامن من أجلهم غائبة تمامًا، وكيان الأسرة والمجتمع ليست في محيط القاموس الموجه نحو إشباع الرغبات دون غيرها، ومن ثم أضحت الأنانية من لوازم منهجية الإلحاد المعاصر؛ ليتكون الإنسان النفعي بكل ما تحمله الكلمة من معنى غير سوي في ظاهرة وباطنه، ومن ثم يتبين لنا أن الإلحاد المعاصر يعضد ماهية الأنانية.
وتقوم فلسفة الإلحاد على صفة ذميمة وخلق غير محمود يدعى بالأثرة ويعني بها حب الذات وتفضيلها عما سواها، وهذا يضاد ماهية الإيثار ومحبة الآخرين وجلب المنافع لهم في صورها المختلفة، وهذا ما أسست عليه العصور الغابرة التي عم ظلام الجهل والتخلف والعصيان والتجبر سماؤها؛ فلا معني للتضامن والتكاتف والتآزر.
والمصلحة لدn الملحدين قامت على فساد وظلم وجور وسلب ونهب لخيرات الآخرين، بل والعمل على فنائهم أو استعبادهم؛ فصارت الحروب والنزاعات والانقسامات تبررها المصالح المشار إليها، ونظرتنا إلى الإلحاد المعاصر تؤكد مع مرور الوقت تلك المعاني القميئة، ومن ثم يتأكد لنا أن الإلحاد المعاصر يقوم على الجاهلية في بعدها السحيق.
وعندما يعتقد الإنسان أنه غير مسائل وأن الرقيب غير متواجد؛ فمن المنطقي حتمية غياب الضمير لديه، وهذا مبدأ رئيس يقوم عليه الإلحاد المعاصر، ويعضده في وجدانيات الفرد بداية ثم ينمو ويمتد للمجتمع بأسره؛ فيؤكد من خلال منهجيته المعلنة على أن الفرد حر في تصرفاته، ومن ثم لا يعبأ بمحاسبة نفس أو ضمير أو مرجعية؛ فهذا من وجهة نظر الملحدين الجدد، كما يعد ضرب من التخلف والرجعية التمسك بماهية التدين التي أضحت بالية لديهم ويسعون لتفريغها من مكنونها.
وندرك أن الملحد تستعر نزواته ورغباته ولا تتوقف ممارساته غير الأخلاقية في المجتمعات قاطبة، كما يمتلك غلظة وجمود في القلب وجسارة في السلوك غير المحمود كون غياب وتغيب ما يردعه أو يوقفه عن مساره غير السوي أو غير المقبول في جملته سواء داخلياً أو خارجياً، ومن هذا نستنتج أن الإلحاد المعاصر يقتل ماهية الوازع لدى الفرد والمجتمع على حد سواء.
ونرى أن ماهية الرحمة والعطف والإحسان والاستحسان لطيب الأثر بعيد كل البعد عن فلسفة الملحدين الجدد ومنهجهم البغيض؛ حيث إيمانهم الدامغ بأنهم خلقوا صدفة، وأنهم كسائر المخلوقات على الأرض، فما أشبههم بأرواح ضائعة ليس لديها هدف إلا رغبات ومتطلبات ونزوات يركضون خلفها ونحوها؛ فيبدو السقوط والانحطاط الخلقي والسلوكي سائدًا بين مجتمعاتهم التي يأملون أن تمتد لتملأ مشارق الأرض ومغاربها، وهذا يجعلنا على يقين بأن أثر الإلحاد المعاصر لا يقوم على منظومة القيم النبيلة.
إن الإغراق في تلبية الرغبات والمتطلبات والشهوات والنزوات التي تحيط بفكر الإلحاد المعاصر تجعلهم يكفرون ويجاهدون بقوة كل ما من شأنه يشكل ضابطًا للسلوك من قوانين وأعراف ومبادئ ومعايير وقيم تحفظ وتصون النفس البشرية؛ حيث يعبرون ذلك مقيدًا للحرية ومكبل لنيل التمنيات والتطلعات الدفينة بالنفوس المريضة وغير السوية عقائديًا وفكريًا، ومن ثم يسلكون مسالك المكر والخديعة والكذب والتغيب ليتخلصوا من كل رادع يشكل عائق لهم، كما يلجئون للقوة حال تعذر الطرائق السلمية؛ فالغاية لديهم تبرر الوسيلة والرغبة والشهوة مقدمة على كل شيء في الوجود المادي الذي يؤمنون بماهيته، حيث يعتقدوا أن صاحب الهدف باستطاعته أن يستخدم الوسيلة التي يريدها أيا كانت وكيفما كانت دون قيود أو شروط، ومن ثم نوقن بأن الإلحاد المعاصر يدعو لمبدأ أن كل شيء مباح لتحقيق الغاية دون أن يضع معايير تحفظ المجتمع من الدمار والتفكك والفساد.
ونستقرأ مما سبق قلقًا عميقًا بشأن تأثير الإلحاد المعاصر على القيم والأخلاق المجتمعية، حيث يتضح أن الإغراق في تلبية الشهوات والرغبات يمكن أن يؤدي إلى تآكل المبادئ والمعايير الأخلاقية التي تحمي الفرد والمجتمع؛ فالإلحاد المعاصر يُعتبر تحديًا للمعايير والقيم العظيمة والأصيلة، حيث يسعى البعض إلى التحرر من القيود المفروضة على السلوك الإنساني، كما أن هناك صراع بين مفهوم الحرية الشخصية بصورة غير مسؤولة وضرورة وجود ضوابط اجتماعية، مما يؤدي إلى تفكك القيم المجتمعية، حيث إيمانهم المطلق بأن الوسيلة تُبرر الغاية مما يؤدي إلى استخدام أساليب غير أخلاقية لتحقيق الأهداف، ومما يزيد من مخاطر الفساد والتفكك والتفسخ الاجتماعي؛ فإن الإلحاد المعاصر، يُعتبر سلاحًا خطيراً يواجه المجتمعات؛ فهو يدعو إلى التحرر غير المسؤول وغير الملتزم بأوامر الدين والضمير، ويحمل في طياته مخاطر تفكك القيم والأخلاق؛ لذا من المهم التفكير في كيفية تحقيق توازن الفكري والاجتماعي للأفراد للحفاظ على مجتمع صحي وقوي ومتماسك... حفظ الله بلادنا وشعوبنا وأبنائنا بحفظه الكريم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة