داليا مجدي عبد الغني

إصابة فى مقتل

الإثنين، 23 سبتمبر 2024 08:22 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هناك أشخاص للأسف لا يهتمون بما يخرج من أفواههم من كلمات وألفاظ، ولا يعبأون بهذا الأمر على الإطلاق، فكل ما يأتي على ألسنتهم يتفوهون به دون تفكير أو حسابات، ودون تحسب لما قد تتركه كلماتهم القاسية من أثر على الآخرين، ويتناسون أن الكلمة الطيبة هى التى يحتاجها كل إنسان لكى تستمر حياته فى هدوء وسلام.

ففى يوم سأل أحد الخُلفاء ابنه من باب الاختبار: "ما جمع مسواك؟"، فأجابه: "ضد محاسنك يا أمير المؤمنين"، فلم يقل "مساويك"، لأن الأدب هذب لسانه وحلى طباعه، وفى يوم خرج عُمر (رضى الله عنه) يتفقد المدينة ليلاً، فرأى نارًا مُوقدة، فوقف، وقال: "يا أهل الضوء"، وكره أن يقول: "يا أهل النار"، وأيضًا حينما سُئل العباس (رضي الله وعن الصحابة أجمعين): "أنت أكبر أم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟"، فأجاب العباس قائلًا: "هو أكبر مني، وأنا وُلدت قبله".


وكل هذه القصص تُؤكد أن قُدوتنا من الصحابة كانوا يحرصون على انتقاء كلماتهم، حتى لا يتسببوا في جرح مشاعر مَنْ حولهم أو الإساءة إليهم، لذا كانت ألفاظهم مُنتقاة، ولكن للأسف الشديد، أصبحت حُجة البشر هي الصراحة لكي ينعتون غيرهم بما يُريدون، دون أي اعتبار لما قد تُسببه تلك الصراحة المُفتعلة في إيلام هذا الغير، فالمُهم من وجهة نظر هؤلاء هو إخراج ما في جُعبتهم من كلمات وآراء ووجهات نظر، بغض النظر عن نتائج تلك التصرفات والسلوكيات.


ليتنا نتخذ من أخلاق أسلافنا قُدوة حسنة في مُعاملة الآخرين، واحترام مشاعرهم، والحفاظ على أحاسيسهم، ولا نتخذ من الصراحة والتلقائية والوضوح ذرائع للتجريح في الآخرين والإساءة إليهم وإيلامهم، فهذا السلوك لا يُساير الأخلاق القويمة، ولا الأديان السماوية، ولا المُعاملات الإنسانية، بل هو انتهاك واضح وصريح لكل المبادئ والقيم والأخلاق السامية، فمشاعر الإنسان ليست لُعبة لكي نتسلى بها.


فما أصعب من استغلال عدم قدرة الغير على الرد لكي نستهزأ به، ونُكيل له الاتهامات، ونتلاعب بأحاسيسه كيفما نشاء، فهذا هو أبشع أنواع الضرر التي يمكن أن تُصيب الإنسان، لأنها إصابة في مقتل.


 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة