يعد التطرف والتشدد سمة إنسانية ولدت مع الإنسان منذ بداية الخليقة، فقد عرف العالم أول جريمة قتل على كوكب الأرض عندما قتل قابيل لهابيل بسبب الغيرة، وهي أول واقعة سفك دماء منذ هبوط آدم عليه السلام وحواء بحسب المعتقدات الدينية، ومنذ ذلك الوقت لم يتنتهي التشدد أو التطرف، بل إزداد عليهم الإرهاب، وهناك الكثير من الكتب التي تحدثت عن تلك الظواهر ومن بينهم "كتاب مدخل إلى فهم التطرف.. المبدأ والمنتهى" للدكتور شوقي إبراهيم علام.
يقول الدكتور شوقي علام في كتابه ضمن المبحث الرابع الذي يناقش الفرق بين التشدد والتطرف والإرهاب: أولًا: أن التشدد والتطرف كلاهما عمل فكري يتعلق بالرأي في المقام الأول، أما الإرهاب فهو سلوك عملي، وفعل مادي، بخلاف التشدد أو التطرف الذي يمثل اتجاهًا فكريًا.
ثانيًا: إن التشدد والتطرف وإن كان كلاهما متعلقًا بالفكر دون الفعل، وكلاهما ينطوي على غلو وتجاوز لحد الاعتدال، إلا أن التشدد قد يفارق التطرف من حيث إن قضية المتشدد ذاتية، بخلاف قضية المتطرف التى قد تكون ذاتية وقد تكون عامة، بمعنى أن المتشدد يغلو في حق نفسه، وينظر إلى تطبيق مظاهر ذلك الغلو على ذاته، بخلاف المتشدد الذي بجانب كونه يجعل من نفسه بطبيعة الحال محلَّا لأفكاره المتطرفة، إلا أنه في الوقت نفسه ينظر إلى مقتضيات تلك الأفكار على مجتمعه وعلى باقي البشرء، فعلى سبيل المثال فإن المتشدد يعنت نفسه بإلزامها أداء عبادة على نحو معين لم يؤمر به، كالصيام أيام السفر والمرض مثلًا، فهنا قضية المتشدد هى تطبيق لذلك الانحراف عن الاعتدال على نفسه، أما المتطرف فإنه ينظر إلى نفسه وإلى العالم، فلو افترضنا مثلًا أن شخصًا قد تطرف في فكره واعتنق عدة مبادئ منحرفة، يعتقد البعض بكفر حكام الدول الإسلامية، فإن تلك الفكرة لدى المتطرف لها مقتضيات يجب تطبيقها بحسب رؤيته على ذاته وعلى الناس أيضًا، فيجب عليه التهرب من تشريعات الدولة، وهو ما يجب على الناس أيضًا، كما يجب عليهم اعتقاد كفره، وأن عدم اعتقادهم لذلك هو كفر أيضًا، وهكذا.
ثالثًا: أن العلاقة بين التطرف والتشدد علاقة عموم وخصوص لازمة، بخلاف العلاقة بين الإرهاب وبين كل منها، فإنها لا تتسم باللزوم، بمعنى أن التطرف والتشدد يرتبطان بعلاقة لازمة من حيث أن المتطرف لا بد وأن يكون متشددا، بخلاف التشدد فإنه قد يوجد دون التطرف، لأن التشدد يعد درجة أقل من التطرف على مستوى الانحراف الفكري، فالمتشدد لا يلزم وأن يكون متطرفًا.
أما بخصوص الإرهاب، فإن الشخص الإرهابي قد يكون متطرفا، بل إن احتمال كونه يحمل أفكارًا متطرفة أو متشددة احتمال في غاية القوة، إلا أن ذلك ليس بلازم، بمعنى أن الشخص الإرهابي قد لا يكون متطرفًا في الأصل، فليس جميع الإرهابيين متطرفين، يقول ماركو بينفاري: "فإن افترضنا أن جميع الإرهابيين متطرفون، سنكون -بناءً عليه- نصنفهم بهذا المسمى بأثر رجعي، على سبيل المثال، في حالتي جبهة التحرير الوطني في الجزائر أو الحركة الانفصالية في أيرلندا، قد يكون لديهم سبب مقبول نسبيًا لأحقية حصول شعبهم على حق تقرير المصير فيرتكبون أفعالا إرهابية لأنهم يرون أنه لا توجد وسائل أخرى لتحقيق مرادهم، ومن ثم فقد تُرى أفكارهم كأفكار متطرفة ليس لأنها متطرفة حقًّا، وإنما لأنها أدت إلى ارتكاب أفعال تعتبر متطرفة".