حنان يوسف

اللغة العربية بين التواصل الاجتماعى وتحدى الهوية

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2024 02:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

من المؤكد أن لُغة الأمم هي محدد رئيسي للهوية الثقافية للفرد والجماعة وكمكوّن أساسي في نسيجها وتوحُدّها واندماج عناصرها فاللغة العربية هي وعاء العقيدة والثقافة والعِلم والتعليم والحضارة؛ فهي اللُغة الأم وسبيل دخول الأمة العربية نحو مُجتمع المعرفة، والمُثبّت للهوية العربية والأساس في تعميقها وشدّ لحُمتها وروابطها،  ومُستودع ذخائرها وتُراثها، وتُمثل إحدى اللغات الرسمية الست المُعتمدة من قبل الأمم المتحدة، وعلى الرغم من وجود مئات اللغات في العالم "إلا أن العربية هي اللسان الأمّ الذي ينطق به ما يزيد على ثلاثمائة مليون عربي، ويعرفها ما يزيد على مليار إنسان ، فهي لغة مُمتدة في الزمان والمكان، ولم تكن في يوم من الأيام لغةً طارئة، إنها اللغة القديمة التي تعود إلى ما قبل التاريخ والتي ترفّعت عن لهجات الخطاب منذ زمن، وهذا يدُل على تميزها وكفاءتها، إلا أننا نلحظ ما أصابها من تراجع في استخداماتها  في وسائل الإعلام كافة، وفي وسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص في وقتنا الحاضر بسبب تأثيرات العديد من أوعية التعليم ووسائط الإعلام التي يُسيطر عليها التلوث اللغوي.

ولا نستطيعُ إنكار ما قدمته التكنولوجيا الحديثة من خدمات جليلة للغُة العربية على صعيدِ توفير أدوات ووسائل وتطبيقاتٍ إلكترونية حافَظَت على فكرة تعليم العربية ونقلها إلى دولٍ أخرى أو ثقافاتٍ جديدة سواءً على مُستوى تقديم الدروس أو المحتويات أو النصوصِ التي تتضمَّنها،خاصة حين يتم الاهتمام بالقواعدِ اللُّغوية السليمة، وطُرُق الكتابة الإملائية الصحيحة ولُغة الخطاب القوية ذات المضامين الدقيقة والواضحة، فقد أسهمت تلك الوسائل في حال أُحسِن استخدامها في عملية الاندماج الثقافي لتكون أدوات فاعلة في تعليم اللغة العربية على أصولها.

أما الجوانب السلبية التي تُحيطُ بها -وهي مُتعددة- فقد أثّرت التكنولوجيا الحديثة سلبا  على اللغة العربية عبر أدوات التواصُل الاجتماعية وتطبيقات الهواتف المحمولة وغيرها، من خلال ما ابتدعُته تلك الشبكات والتطبيقات والأدوات من كلماتٍ تُثير الاستغراب، أو كلمات تتداخل فيها العربية بالانجليزية واختصارات غير مفهومة أو أخطاء نحوية وإملائية وأسلوبية عمّقت التراجُع ووسّعت الهوّة.

إن ما وصل اليه حال اللغة العربية في وسائل الإعلام عامةً ووسائل التواصُل الاجتماعي خاصة من مُستويات لغوية شديدة التبايُن في مجال التراجُع والانحدار ليُعتبرُ حقيقة مؤلمة، حبث أن وسائل التواصُل الاجتماعي الحديثة والإنترنت قلبت الكثير من موازين استخدام اللغة العربية نحو الأسوأ، وقدّمتها عبر لهجاتٍ ضَحلة، وتفننت في تقديم مُصطلحات جديدة وكلمات دخيلة من "الهجين اللغوي" وتسرُّب نحو العاميّة واحتواء نصوصها ومضامينها على الأخطاء النحوية والإملائية خاصة في "لغة الدردشة والنشر" مما أحدثَ هوُّة وفجوّةً بين الجيل الجديد من مُستخدمي التقنيات الحديثة أو ما يُسمى بالإعلام الجديد ولغُة الضاد، وسط قَلق وخوف من الغيورين على العربية والمُهتمين بها من هذا التردي الصارخ.

وقد أوجدت هذه الوسائل الاتصالية إهمالاً كبيراً في الكِتابة باللغُة العربية الصحيحة، حتى مِن قِبَل الحائزين على تعليمٍ عالٍ أو جيّد، أو حتى من المُلمِّين بقواعدِ اللغة العربية الصحيحة وإملائها، ويصل الأمر إلى من يُقدمون الرسالة الإعلامية للمُجتمع من إعلاميين وصحافيين، فضلاً عن وقوع مُستخدمي تلك الأدوات في أخطاء  منها ما يُكمُن في الاختصارات غير المفيدة للكلمات، أو إدخال حروف الجرِّ في الكلمات مع تَكرار حروف المدِّ في الكلمة دون فائدة، أو كتابة الكلمات والجُمل دون مسافة بينها نظراً لقلَّة مساحة الأحرف المسموح بها في بعض تطبيقات الهواتف المحمولة.

كذلك استخدام ما اصطُلح على تسميته بلغة "العربيزي" وهي تراكيب من العربية والإنجليزية كثُرَ استخدامُها بين الشباب والأطفال، وأيضاً احتواء العديد من الرسائل النصيّة في الهواتف الخلوية ومواقع التواصُل على كلماتٍ لا يُمكن للآباء والأمَّهات قراءتُها أو فَهم معناها مما أوجد فجوة اتصالية أُسرية واضحة المعالم ولها مخاطرها وأبعادها.

وفي ضوء هذه الإشكاليات فإن من الأهمية بمكان تتبُع حال اللغة العربية على شبكات التواصل الاجتماعي والانترنت للوصول إلى تشخيص دقيق للواقع واقتراح سبل المُعالجة واستشراف طرق النهوض والتمكين.

  في ضوء تعاظم أهمية اللغة في مُجتمع المعلومات واقتصاد المعرفة، والتي تجاوز دورها الجوانب التقليدية المُتمثلة في التواصل والثقافة والتعليم ليًصل إلى المُتغير المعلوماتي ودوره في صمود أي لغة في بيئة لغوية عالمية زاخرة بالتحديات.

وأهمية تتبّع واقعها الحالي في شبكات التواصل الاجتماعي كأدوات إعلامية مُستجدة تُحتّم أن لا يقف دورها على التوعية والتثقيف وحسب بل يجب أن يتجاوز ذلك لصوّن اللغة العربية التي تُعتبر الوعاء الذي تقدّم به الرسالة الإعلامية والإسهام في الحفاظ على وجود الأمة العربية وخصائصها التي يتصدرها اللغة العربية، فالإعلام دون لُغة رصينة ميّسرّة لا يستقيم أمره واللغة دون إعلام مُتطوّر لا يمكنها أن تؤدي رسالتها في الانتشار وتعميم الذوق الراقي والنهوض بالمُجتمع نحو الأفضل.

وتتعرُّض اللغة العربية لمَخاطر كبيرة تنتهكُ هُويتها على شبكات التواصُل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، ووجود العديد من الدعوات والحملات التي تُحذر من تعرُّضها لمخاطر تستهدفُ النيل منها والتنبيه لضرورة عدم الانسياق وراء خلطها بغيرها من اللُغات أو خلط حروفها مع الأحرف اللاتينية الأمر الذي من شأنه تقليل استخدامها وتهميشها واندثار هويتها عبر الزمن، لا سيما في ضوء انبهار الشباب العربي بالثقافة الغربية واعتبارهم اللغة الانجليزية أكثر قُدرة وأسهل للتعبير من العربية كونها لغة العصر والعلم.

كذلك هناك خطورة من  حيث شيوع اللهجات العاميّة في مجالات توثيقها وكتابتها عبر محتويات هذه الوسائل الرقمية مما قد يشيع استخدام هذه المُحتويات العربية العامية لتصبح لغةً موثقة في المؤلفات العربية والصحف بما يشكل خطراً كبيراً على مستقبل العربية.

إن الحفاظ على اللغة العربية واجب قومي ومسؤولية تضامُنية تقع على عاتق الأسرة والمدرسة والمؤسسات التعليمية والثقافية ووسائل الإعلام المختلفة.

وهنا يجب التأكيد على الدور المحوري لوسائل الإعلام في ترسيخ الهوية العربية من خلال نشراللغة العربية والعمل على تهيئة الأجواء المُناسبة للمؤسسات المُجتمعية الأخرى كالتعليمية والتربوية والثقافية للعمل على نشرها عبر خطط واضحة ومدروسة.

ولا بد من وُجود القرار والإرادة السياسية التي تفرض التغيير الذي لا نريدُه حبراً على ورق أو قرارات إدارية طي الأدراج، لتحصين اللغة العربية فيجب أن يقرر وزراء التربية إدخال اللغة العربية في الكتب المدرسية والعلمية والثقافية، وأن يُقرر وزراء الاعلام ضرورة استعمالها رسمياً على مستوى وسائل الاعلام كافة، وأن يتفق الصحفيون على استعمالها في كتاباتهم.

ويجب مُساندة اللُغة العربية في ظل وسائل التواصُل الاجتماعي وتطبيقات الانترنت المتعددة والتي تحتاجُ من المواطنين تفعيل مُبادراتهم وغيرتهم على العربية للحفاظ على هويتهم.

وتفعيل دور مجامع اللغة العربية وجمعيات حمايتها في الوطن العربي مُجتمعةً لتبّني المُحافظة على اللغة العربية من الاندثار.

مع تعزيز العلاقة بين اللغة والإعلام فهي لا يُمكن أن تكون ناجعة وإيجابية إلا إذا تم الحفاظ على صفاء وأصالة اللغة العربية عن طريق تفكير جادّ من المسؤولين فلا جدال أن اللغة العربية لن تتطور إلا باستعمال ومواكبة تقنيات المعلومات والاتصال.

إن الحفاظ على العربية، لم يعُد ترفاً فكرياً، أو مسالة يُمكن تأجيل النظر في أمرها، انما هي من الأمور الملحّة التي يجب على الأمة أن تضعها في سُلّم أولوياتها فهي المُنطلق في مُجمل عمليات التنمية الفكرية والتربوية.

ولا ينفي الحفاظ على العربية الدعوة إلى إجادة لغة العلم والحضارة "الانجليزية " فهو أمر لا يُمكن تجاوزه إنما يجب أن لا يأتي ذلك على حساب الثقافة والهويّة الوطنية لأن التخلي عنها يحوّل الأمة إلى مسوخ مشوهة لا معنى لها ولا قيمة.

وهنا ندعو الي إنجاز قانون لحمايَّة اللغُّة العربيَّة في كل البلدان العربيَّة ضمن أجندة لجامعة الدول العربيَّة خاصَّة باللُّغة العربيَّة، يقضي بإحلال العربيَّة الفصيحة محلّ العامية في المخاطبات ووسائل التواصل والاتصال والاعلام.

مع تصميم مواقع خاصة باللُّغة العربيَّة تهدف إلى تقديم استشارات لُغوية وحلّ المشكلات التي تواجه مستعملي اللغُّة العربيَّة في مواقع التواصُل الاجتماعي لزيادة المحتوي الرقمي العربي من منطلق الإيمان بأن الحفاظ علي اللغة العربية هو واجب أصيل في الحفاظ علي هوية الأمة التي هي درع الأمان المعنوي لها من خطر الاختراق والسيطرة  والاندثار .










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة