إن الهوية المصرية هى مزيج من القيم الثقافية، والاجتماعية، والتاريخية، والدينية التي تكون شخصية الشعب المصري عبر العصور، فتعد مصر من أقدم الحضارات في العالم، حيث يعود تاريخها إلى أكثر من 7000 سنة، وهذا يجعل من الهوية المصرية متميزة ومعقدة وفريدة، تجمع بين عناصر متعددة تمتزج لتكون هذا الشعور العميق بالانتماء.
فالهوية المصرية مرتبطة بالثقافة وبتاريخ وجذور الدولة المصرية، من الحضارة الفرعونية التي شكلت أساس ثقافة مصر، حيث إن الفراعنة قدموا للعالم العديد من الابتكارات في الهندسة، الطب، والفن، الأهرامات والمعابد مثل معبد الكرنك وأبو سمبل وغيرها، تعتبر رموزًا لهوية مصرية ذات أبعاد عميقة، وعلى مر التاريخ، تأثرت الهوية المصرية بعدة حضارات خارجية بعد الفراعنة، وهذه التأثيرات لم تطمس الهوية المصرية، بل أضافت إليها عمقًا وتنوعًا.
وأيضاً الهوية الدينية للشعب المصري، فالإسلام أصبح جزءًا أساسيًا من الهوية المصرية بعد الفتح الإسلامي، ومع انتشار الإسلام، أصبحت اللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد، وامتزجت القيم والتقاليد الإسلامية بالموروثات المصرية القديمة، ومع ذلك، حافظت مصر على تراثها القبطي ويعد جزءًا من الهوية الوطنية.
وفي العصر الحديث، أصبحت مصر مركزًا للحركات الوطنية والقومية في العالم العربي، شخصيات وطنية مثل سعد زغلول وجمال عبد الناصر وغيرهم الكثيرين الذين ساهموا في تشكيل الهوية القومية المصرية التي تركز على الاستقلال والحرية، فمثلا ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني تعتبر محطة بارزة في تأكيد الهوية الوطنية، وكذلك، تأثرت الهوية المصرية بالأحداث الاجتماعية والسياسية في القرن العشرين، خاصة بعد ثورة 1952 التي قادها الضباط الأحرار، حيث عززت من الشعور القومي وعمقت ارتباط المصريين بفكرة "الهوية العربية".
والهوية المصرية لا تتعلق فقط بالسياسة والتاريخ، بل تمتد أيضًا إلى الثقافة اليومية، الفن، الأدب، الموسيقى، والسينما المصرية لها دور كبير في تعريف الهوية، تراث مصر الفني والأدبي والثقافي وشخصيات بارزة مثل أم كلثوم، نجيب محفوظ، وطه حسين وغيرهم الكثير، ساهموا في تشكيل الوعي الثقافي والهوية المصرية الحديثة، وكذلك القاهرة، بمساجدها وكنائسها القديمة، وأحيائها الشعبية، تمثل رمزًا قويًا لهذه الهوية الممزوجة بالحداثة والتقاليد.
نتحدث عن هوية مصرية متجذرة وفريدة تتميز بها مصر، مزيج غني من التاريخ والثقافة والدين، تتشكل عبر العصور من خلال التفاعلات المستمرة بين الموروثات القديمة والتأثيرات الجديدة، وتبقى هذه الهوية راسخة وقوية، حتى مع التغيرات الحديثة، حيث تستمر في أن تكون مصدر فخر للمصريين ووسيلة لتأكيد وجودهم كشعب صاحب حضارة متجذرة.
وهناك أهمية وضرورة للبحث في أصول الهوية المصرية وإبراز تراكماتها الحضارية، والتصدي للأفكار المتطرفة ومحاولات سرقة وطمس الهوية وتزييف التراث، والعمل على الوعي الجمعي ووضع برامج للتوعية، وترسيخ القيم الإنسانية وتفعيل قيم المواطنة، والارتقاء بالذوق العام المصري وتأصيل الحس الجمالي، ودور وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على الوعي والتنمية، ودور مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في بناء الشخصية والهوية الوطنية، وذلك في إطار الحديث عن الهوية المصرية ومظاهرها والتحديات التي تواجهها وسبل الحفاظ عليها من التمزق في زمن العولمة وعصر السماوات المفتوحة والفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي، وما يجب علينا القيام به لبحث سبل مواجهة التحديات الخارجية والداخلية.
وفي ظل التحديات التي تواجهها الدولة المصرية، فإنها تحرص على ترسيخ الهوية المصرية والحفاظ عليها من أي محاولات لطمسها أو تشويهها، خاصة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يولي أهمية كبيرة لبناء الإنسان المصري وترسيخ الهوية المصرية، والحكومة المصرية تدرك أهمية ذلك وتطرقت إليه في برنامجها، وذلك من خلال إنشاء إطار تنظيمي للوزارات والجهات المعنية بقضية الهوية الوطنية وترسيخها، حيث أكدت أن أهمية الهوية الوطنية للمجتمع تكمن فى غرس القيم الإيجابية وروح الانتماء والولاء للوطن داخل أفراده، في كونه عنصرًا جوهريا لتحقيق التماسك بين فئات المجتمع المتنوعة والمختلفة.
كما تستهدف الحكومة في برنامجها الجديد وضع وتنفيذ استراتيجية للحفاظ على الهوية وتشكيل الوعي وفق خطط تنمية ثقافية عادلة، ومواصلة وزارة الثقافة خطتها لتفعيل وتنفيذ التوصيات الصادرة عن لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطني، فالدولة تستهدف مواصلة العمل على تطوير المناهج الدراسية لتشمل مزيدًا من التاريخ المصري والثقافة الوطنية، وتدشين حملات توعية دينية وثقافية للشباب والمراهقين، تشمل جميع محافظات الجمهورية والمناطق النائية، وتنظيم مسابقات ثقافية وأدبية وفعاليات مجتمعية للشباب لتعزيز الاهتمام بالتراث الثقافي والوطني، ودعم المبادرات الشبابية والمجتمعية التي تروج للسلام والتعاون بين مختلف فئات المجتمع، وإطلاق مبادرة الإعلام الآمن للطفل، لدعم الهوية الوطنية للأطفال في مصر، واستهداف إنشاء قناة مصرية للأطفال؛ لنشر الفكر الذي يتناسب مع قيم المجتمع الدينية والتراثية.
كما أن الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ تضمن المحور الاجتماعي فيه تشكيل لجنة الثقافة والهوية الوطنية إدراكا من القائمين عليه لأهمية هذه القضية، وخرجت هذه اللجنة بالعديد من التوصيات التي تهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية وترسيخها، تضمنت وضع استراتيجية شاملة للحفاظ على الهوية، واستعادة روح الهوية القديمة في الطابع المعماري للمدن الجديدة، من خلال إشراك طلاب كليات الفنون الجميلة في تصميم المنشآت العامة، وكذلك إنشاء قناة متخصصة للأطفال، تسهم في تعزيز الهوية المصرية، بالإضافة إلى تيسير إجراءات التصوير السينمائي العالمي في المواقع المصرية لدعم التراث والثقافة، وتفعيل الأنشطة الثقافية في المدارس والجامعات.
من هذا المنطلق هناك ضرورة لوضع استراتيجية وطنية للحفاظ على الهوية الوطنية وترسيخها، ورفع وتعزيز الوعي بقيمة التراث المصري الحضاري والطبيعي بنوعيه المادي واللامادي لتعزيز الهوية المصرية الوطنية وتقوية الإنتماء ومحاربة الفكر المتطرف وتعظيم كل ما تقدمه مؤسسات الدولة من تنمية وتطوير وخدمات في كل المجالات في إطار الخطة الوطنية للتنمية الشاملة والمستدامة، كما يجب إحياء الحرف التراثية المعبرة عن الهوية المصرية المتأصلة في جذور التاريخ والعاكسة للتنوع الثقافي للحضارة المصرية، كما يجب الاهتمام بالمسرح وقصور الثقافة خاصة في الأقاليم، وفي القرى، لتحقيق العدالة الثقافية وتعزيز الاهتمام بالفن ورعاية المبدعين، وإنشاء متاحف للحضارة المصرية في شتى العصور، والعمل على ربط الطلاب بتاريخهم وحضارتهم القديمة.
فتعزيز الهوية المصرية يتطلب التركيز على عدة محاور تتكامل معًا للحفاظ على التراث الثقافي والهوية الوطنية، وفي نفس الوقت التكيف مع التغيرات الحديثة، فيجب الحفاظ على التراث الثقافي ودعم المتاحف والمواقع الأثرية وتعزيز التوعية بأهمية الحضارات المصرية القديمة مثل الفراعنة، والعصر القبطي، والإسلامي، كما يمكن تنظيم مهرجانات وفعاليات ثقافية تهدف إلى إحياء التراث الشعبي المصري.
وفي التعليم، هناك اهمية لتضمين المناهج الدراسية مواد تركز على التاريخ المصري، والتراث الثقافي، والقيم المجتمعية المصرية، فمن المهم أن يربى الأطفال على فهم وتقدير التاريخ الغني لمصر، فضلاً عن أهمية استخدام وسائل الإعلام والفنون مثل السينما والمسرح والأدب لنقل الرسائل الوطنية والثقافية، والدراما التلفزيونية والأفلام التي تتناول القصص المصرية التاريخية والمعاصرة وسيلة فعالة لترسيخ الهوية، وكذلك تعزيز والحفاظ على اللغة العربية واللهجات المصرية في الاستخدام اليومي، سواء في المناهج التعليمية أو في الإعلام، يساعد في ربط الأجيال الصاعدة بجذورها الثقافية.
علاوة على ضرورة مواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة، واستخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الذكاء الاصطناعي، للترويج للثقافة والهوية المصرية من خلال محتوى مرئي وتفاعلي يصل إلى الأجيال الجديدة بسهولة، فضلاً عن أهمية الربط بين الماضي والحاضر، فتعزيز الهوية المصرية مسئولية مشتركة بين الحكومة، والمجتمع المدني، والمؤسسات التعليمية والثقافية والإعلام والفن وغيرهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة