طالما نتحدث عن ملف صناعة وتوافر الدواء، نحن أمام ملف يتجدد كل فترة، وتتكرر أزمة نقص توافر الدواء بشكل يمثل خطرا على المرضى، ويسبب صداعا للحكومة التى تتدخل بشكل متكرر، وهو ما قد يتطلب وضع استراتيجية، والتعامل من خلال منظومة تتشابك فيها عناصر الإنتاج والتوزيع والتسعير والإنتاج.
كل هذا لأن لدينا قاعدة لصناعة الدواء تتطلب تنسيقا وتداخلا وتعاونا بين الأطراف المختلفة، ونتذكر أننا قبل 7 أعوام فى عام 2017 واجهنا نقصا فى توافر البنسلين وهو مضاد حيوى مهم جدا، وليست له ملكيات فكرية، وانتبهنا إلى أهمية أن تكون هناك استراتيجيات للتعامل مع ملف مهم مثل الدواء، يومها تدخلت الحكومة لتنشيط منظومة الدواء والشراء، ومع ظهور فيروس كورونا، تجددت قضية تطوير صناعة الدواء يومها وعقدت الحكومة جلسات لبحث آليات تطوير صناعة الدواء بحضور وزراء الصحة والتعليم العالى والبحث العلمى، ومستشار رئيس الجمهورية لشؤون الصحة والوقاية، ورئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد ورئيس هيئة الدواء.
وقتها قال الدكتور مدبولى رئيس الوزراء إن أزمة كورونا أسهمت فى التعجيل بطرح هذه القضية للنقاش، وأشار إلى ضرورة الإسراع بإجراءات تسجيل الأدوية، مع وضع المحفزات للمصانع لتطوير صناعاتها والتوسع فيها، كما كلّف رئيس الوزراء بوضع رؤية واضحة وخطة تنفيذية محددة لتطوير صناعة الدواء فى مصر.
نقول هذا لنتذكر أن متابعة ملف الدواء بشكل مستمر، قد تؤخر أو تمنع تكرار الأزمات، فى حال وجدت آليات تتابع وتمتلك إنذارا مبكرا، فى قضية مهمة مثل الدواء، ومعروف أن صناعة الدواء مجال يعتمد على جهات متعددة، جزء منها لدى وزارة الصناعة، وشركات تتبع وزارة قطاع الأعمال أو وزارة الاستثمار فيما يتعلق بالقطاع الخاص، وترتبط الصناعة بتوافر الأبحاث والتخصصات العلمية، التى تمثل عمود هذه الصناعة.
كل هذه العناصر تكشف عن مدى التشعب فى قضية الدواء، وأهمية أن تلعب الدولة دورا فى التنسيق بين كل هذه الجهات مع صناع وتجار الدواء لدراسة أبعاد الموضوع والتوصل إلى أفضل الحلول، وعدم ترك ملف الدواء للظروف، والأزمات المتكررة.
ومعروف أن صناعة الدواء تمثل مع صناعة السلاح، أكبر مجالات الاستثمار والتنافس فى العالم الحديث، عالم صناعة الدواء له أسراره وتوازناته، ولدينا فى مصر صناعة بدأت من فى أربعينيات القرن العشرين، وتطورت وتوسعت فى الستينيات، وتم افتتاح أكثر من شركة كبرى للدواء وكانت هناك شركة النصر للخامات الدوائية، بدأت صغيرة، لكنها تعطلت تماما توقفت عن النمو والتطوير.
من دفاترنا القديمة، علمنا أنه كانت لدينا فى مصر شركة «النصر لإنتاج الكيماويات الدوائية» فى أبو زعبل، تم إنشاؤها عام 1964، على مساحة 120 فدانا، وبميزانية 3 ملايين جنيه، بهدف أن تكون قاعدة لإنتاج الخامات الدوائية، منذ السبعينيات واجهت الشركة إهمالا، ووضعت ضمن خطة التصفية فى التسعينيات.
وقد أعاد الرئيس السيسى تطوير وتحديث مدينة الدواء فى أبى زعبل، ومعها شركة إنتاج الخامات الدوائية، عام 2017، بحيث تتوافق مع اشتراطات التصنيع والصحة العالمية، وتعطينا تطابقا مع الدستور الإنجليزى والدستور الألمانى، وهذان الدستوران يضعان اشتراطات تضمن الجودة»، ولأول مرة تم تصنيع المادة الفعالة لعقار السوفالدى فى مصر، بالتعاون مع الصين، وفى حالة توفير إمكانات للشركة يمكن أن تفى بنسبة كبيرة من الأدوية المطلوبة.
نقول هذا لأن الخامات أساس الصناعة وهناك أنواع منها، بينها منتجات يتم إنتاجها طبقا للدستور الأوروبى أو الأمريكى، وأيضا توكيلات فى الهند والصين وشرق أوروبا تباع بأقل من سعرها، وكل هذا يتم طبقًا لاتفاقيات وتفاوض، وتحتاج صناعة الدواء إلى مراكز أبحاث وتجارب، وإمكانيات مالية وبشرية علمية، خاصة أن مجرد إضافة تطوير جديد ومؤثر للدواء يجعل المطور شريكًا فى الملكية الفكرية، وهذا ما تفعله دول مثل الهند والصين وبعض دول شرق أوروبا مثل بولندا ورومانيا، والتى تبيع الخامات الدوائية.
وبجانب الخامات كأساس هناك عناصر أخرى تتعلق بالشركات والمنافسة، وأسرار التصنيع، وهو ما يجعل هناك أهمية لوجود تنسيق ومنظومة تتعامل مع كل هذه العناصر بشكل متناغم، بما يضمن استمرار التصنيع والإنتاج، وأيضا ضمان أسعار عادلة، وشبكة للاستشعار للتنبؤ بتوافر الخامات والأصناف، وهى أمور توفرها التكنولوجيا والبرامج، بشرط أن تكون فى أيدى متخصصين يمكنهم إدارة الملف بكفاءة.
p