بمناسبة الجدل الحاد الذى يدور حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية، والتراشق البياناتى بين النقابات المعنية مثل «المحامين، والصحفيين، والأحزاب» وبين اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب.
هناك سؤال وجودى يتردد فى أذهان المنخرطين بالشأن العام، وهو لماذا لا تستغرق كل القوانين محل الاهتمام الكبير وقتها الكافى فى النقاش المجتمعى، وإشراك كل ذوى الصلة فى إبداء الرأى والتعقيب والتفنيد؟ لماذا نصنع الأزمات تلو الأزمات ونحن لا نكترث لحجم الإصابة التى تصيب الرأى العام؟ من وراء الانفراد بالرأى وعدم الأخذ فى الاعتبار آراء الأحزاب والنقابات والحقوقيين وأصحاب الرأى والخبرة؟ ثم أيضا لماذا تحال كل القوانين الكبرى من الحكومة ولا يكلف مجلس الشيوخ والنواب بإنشاء قانون أو التباحث المبدئى عنه؟ فمن المعلوم بالضرورة أن من أهم أدوار مجلس النواب هو التشريع وسن القوانين، فلائحيا يكفى توقيع عُشر عدد النواب لاقتراح قانون!
قضية أن البرلمان لا يقترح مشروع قانون فى مصر قضية سياسية كبرى، وتعبر بما لا يدع مجالا للشك عن غياب التعددية السياسية، كما أن أحزاب الأغلبية ليست لديها أجندة تشريعية مخططة، وأن تلك الاحزاب غابت عنها ماكينة الأفكار السياسية والابتكار التشريعى لحل المشكلات، وقد يعبر هذا عن افتقار بناء تنظيمى قاعدى حقيقى يصعد المشكلات لقيادة الأحزاب ويفعل ديناميكية التفاعل السياسى، فضلا عن أن استمرارية إمدادات الحكومة بمشروعات القوانين للبرلمان طوال الوقت، يخل بمبدأ توازن السلطات وتكافؤها، فيصدر التشريع بعد الضغط «حكوميا» يعبر عن وجهة نظر الحكومة بصورة كبيره، وتهمل أصوات الناس والأحزاب والنقابات والمؤسسات المدنية الشعبية ذات الصلة، ويصب هذا فى نهر جار من السخط الشعبى أو على أقل تقدير العزوف الاختيارى، ما يهدم آمالنا فى إقامة حياة سياسية ذات عمق وحداثة.
تحالف الملكيين أكثر من الملك، والذين يسطرون قوانين مؤسسية وفنية مثل قانون الإجراءات الجنائية، والذى تتعدد أسماؤه من دستور القوانين، إلى عمدة القانون، إلى مايسترو القانون، يسطرونها فى غيبة من النقاش العام من النقابات والأحزاب والفاعلين السياسيين، وكأنهم يملكون الحق الإلهى فى التشريع، فتحول القانون الوضعى الذى من الممكن أن نختلف علية الى شريعة إلهية لا يمكن التجاوز بحقها ومناقشتها، من حق أعضاء اللجان البرلمانية التى ساهمت فى القانون، أن تدافع عن عملها، وقد تفعل هذا الشركات فى تسويق منتجاتها، ولكن من حق المستهلك، أن يقول رأية فى المنتج ويتم تعديله، وإلا عزف المستهلك عن المنتج وتعامل معة بكراهية وجفاء ولم ينصَع لكل حملات التسويق، يعنى ببساطة كدة، الشعب ما اشتراش! من الذى يسأل عن حالة الغضب على القانون وقد أسس السيد الرئيس لمرحلة تصالحية عنوانها حوار وطنى بين كل المختلفين!
وتحدث الرئيس مرارا عن ضرورة إجراء إصلاح سياسى يشرك كل أبناء الوطن المخلصين تحت مظلة العمل المشترك لبناء مرحلة سياسية جديدة لا تقصى أحدا، إلا من تورط فى دماء وخان وحدة الوطن وسلامة وأمنه.
إن مشروع القانون الذى لا يحترم حق الدفاع ويقدسه، وحق البرىء ويؤسسه، وأوامر التحقيق ويرشدها، ويوسع حق الضبطية القضائية ويبعثرها، وأيام الحبس الاحتياطى ويضغطها، ويتعامل وينزع حصانة المحامى فى جلسة التقاضى، يجب أن يعاد النظر فيه.
إن إجراءات التقاضى وحصافتها ومركز مصر فى مؤشرات العدالة الدولية هو إحدى ركائز الاستثمار والبناء، فالمستثمر المصرى يرصد القوانين التى يتعامل معها، وجميعنا يعرف غابات القوانين التى تعطل الاستثمار، كما أن المستثمر الأجنبى يرصد كل مؤشرات التقاضى ومدى تواؤمها مع المواثيق الدولية ويأخذ قرار الاستثمار فى البلد الذى يطمئن فيها على العدالة.
إن الشفافية فى مناقشة القانون غائبة، والنسخة المطروحة للتداول حولها للنقابات والأحزاب غير نهائية، برغم موافقة لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بشكل نهائى على مشروع القانون الذى أقرتة اللجنة الفرعية التى أقامها المجلس لدراسة قانون الإجراءات الجنائية من عشرات الأيام، ما زالت النسخة التى ستحال للنقاش فى الجلسة العامة للبرلمان مخبأة لأسباب لا يعلمها إلا الله!
ولقد يرى المتابع أن الحكم بصلاحية مشروع القانون المحال من الحكومة قد تم بالفعل قبل مداولته بين القوى الشعبية والسياسية، فهو حكم قبل المداولة، وقرار للوكيل دون إذن الأصيل!