في مطلع سبتمبر من كل عام، يأتي الوقت الذي تستعد فيه جميع المؤسسات التعليمية لاستقبال بداية العام الدراسي الجديد، وفي مقدمتها الجامعات بدورها المحوري والاستراتيجي في المجتمع، وهنا يثار التساؤل حول ما دور الجامعات ورسالتها في المسئولية المجتمعية؟.
سؤال اجتمع حوله نخبة من المثقفين العرب الأسبوع الماضي تحت مظلة الصالون الثقافي للمنظمة العربية للحوار، ودارت مناقشات مثمرة على مدار ثلاثة ساعات متواصلة، تم فيها تناول موضوع دور الجامعات ورسالتها ومسئوليتها، وشدد المشاركون على أهمية هذا الموضوع باعتباره أحد الموضوعات الشائكة والمهمة في نفس الوقت، واعتبار أن الجامعات تمثل واحدة من أهم أدوات بناء الوعي والتنوير في المجتمع.
وعرض المشاركون مجموعة من الأطروحات الخاصة بالموضوع، باعتبار دور الجامعات متعدد الأبعاد ويشمل التعليم، والبحث، والتفاعل مع المجتمع، باعتبار الجامعات ليست مجرد مؤسسات تعليمية، بل هي أيضًا محركات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.:
من خلال تقديم المعرفة في مختلف المجالات وتأهيل الطلاب ليكونوا قادرين على المساهمة في سوق العمل بشكل فعال، بالإضافة إلى دور الجامعات في البحث العلمي وإنتاج المعرفة من خلال تجربة المعامل والمراكز البحثيةظ حيث إن الجامعات هي مراكز للبحث العلمي وبما تسهم به في إيجاد حلول للتحديات التي يواجهها المجتمع.
وتناول المشاركون دور الجامعات في تعزيز ثقافة ريادة الأعمال ودعم الصناعات المحلية وتعزيز الابتكار، بالإضافة إلى دورها في نشر الثقافة والقيم المجتمعية من خلال التفاعل مع المجتمع، وتشكيل شراكات لتعزيز التعليم والتدريب وتطبيق البحث العلمي بما يتسق مع أهداف التنمية المستدامة، وزيادة وعي الطلاب والمجتمع بأهمية الاستدامة وتطوير الفكر النقدي والإبداع.
وطرح الصالون عددا من النماذج المتميزة في التعليم الجامعي في كل من مصر والجزائر ولبنان والعراق والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، من خلال خبراء أكاديميين مرموقين من هذه الدول.
وطرح المشاركون مبادرة "أنا سفير" في الجامعات لتعزيز ثقافة الحوار وتقبل الآخر والتنوع بين الطلاب والطالبات من جهة، ومع اندماجهم داخل المجتمع من جهة أخرى.
علي مدار ثلاث ساعات كان هناك كثير من الهموم والتحديات وأيضا الطموحات حول ما يمكن أن تقوم به الجامعات في التطوير والتحديث.
المهم هو الرسالة التي حملتها هذه النخبة من المثقفين والأكاديميين على أهمية دور الجامعات وضرورة عمل استراتيجية مجتمعية لتفعيل دورها في بناء الإنسان وتحديث المجتمع.
ويمكن المساهمة في رسم ملامح هذه الاستراتيجية على النحو التالي من خلال محاور متعددة من أهمها:
أولا: صناعة مجتمع المعرفة والمساهمة في إثراء المحتوى الرقمي العربي، من خلال تقديم المعرفة المتخصصة في مختلف المجالات العلمية، الأدبية، والفنية.
وإنتاج المعرفة الجديدة من خلال البحوث والدراسات التي يجريها الأكاديميون والطلاب من خلال تفعيل برامج البحث العلمي الجديدة والتطبيقية.
والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والثورة التي أحدثتها تطورات الاقمار الصناعية في إثراء صناعة مجتمع المعرفة، من خلال المقررات والمناهج المتطورة التي يتم تدريسها، مع المزج الرشيد بين المقررات العلمية والمقررات الانسانية، حيث يجب عمل تكامل بين القطاعين في إطار وضع الخطط التعليمية واللوائح الجديدة ولكن بأسلوب متميز وغير تقليدي بحيث يكون الهدف هو تقديم كافة أنواع المعرفة للطالب والباحث داخل الجامعة، مما يساعد في بناء شخصيته البحثية والعلمية بالصورة المطلوبة لتحقيق دوره في المجتمع.
ثانيا: تأهيل الطلاب لمتطلبات سوق العمل الحالية والحديثة، من خلال برامج التعليم المختلفة المتميزة التي تتناسب مع طبيعة العصر الحديث والثورة الرقمية التي يعيشها المجتمع الآن، فمن الأهمية ان تتسق مخرجات العملية التعليمية مع متطلبات سوق العمل بالتأهيل الاحترافي القادر على المساهمة في سوق العمل بشكل فعال.
وعلى أن تتضمن مخرجات التعليم الحصة المناسبة من التطبيق العملي لها بحيث لا يكتفي بتقديم الجانب النظري فقط، بل يستكمل بإطار تطبيقي احترافي مدروس ومرتبط بنوعية المهن الجديدة التي يطلبها سوق العمل حاليا.
ثالثا: ربط التعليم الجامعي بأهداف التنمية المستدامة ورؤية 2030، بما يساعد في أن تنتج الجامعات حلولا علمية وواقعية ناجزة لحل المشكلات والتحديات التي يواجهها المجتمع في مجالات مثل الصحة، البيئة، الاقتصاد، والتكنولوجيا والقضاء على الفقر، ومواجهة الجوع وقضايا الاستدامة البيئية ووضع حلول مبتكرة للتحديات البيئية، مثل التغير المناخي وإدارة الموارد الطبيعية وغيرها من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر والتي أقرتها الأمم المتحدة وتعمل في إطارها جميع الدول الآن.
بالإضافة إلى دور الجامعات في تقديم برامج تعليمية ومناهج تشجع على نشر ثقافة ريادة الأعمال، وتوفر حاضنات الأعمال التي تساعد على تحويل الأفكار المبتكرة إلى مشاريع تجارية كذلك دعم الصناعات المحلية وتعزيز الابتكار، مما يؤدي إلى خلق فرص عمل وتحقيق النمو الاقتصادي.
رابعا: تفعيل دور الجامعات في بناء شخصية الطالب، من خلال نشر الثقافة والقيم وتوفير المناخ لتعزيز ثقافة الحوار والنقاش الفكري والتبادل الثقافي بين مختلف الفئات المجتمعيةد بالإضافة إلى دور الجامعات في تطوير الفكر النقدي والإبداع وتشجيع الطلاب على التفكير النقدي والتحليل وتطوير حلول مبتكرة للتحديات وتشجيع الإبداع من خلال توفير بيئة تعليمية ملهمة وداعمة، وتطوير قدرات الطلاب الإبداعية.
خامسا: تعزيز دور الجامعات في المسئولية المجتمعية من خلال مبادرات خدمة المجتمع لتحسين الحياة الاجتماعية، مثل برامج محو الأمية، والرعاية الصحية المجتمعية، والمشروعات التطوعية وتحقق التفاعل مع المجتمع وفتح شراكات مع المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة لتعزيز التعليم والتدريب وتطبيق البحث العلمي في مجالات العمل الفعلية ورجال الصناعة في المجالات المختلفة لربط مخرجات العملية التعليمية بالتطبيق الفعلي والعملي لهذه المقررات التعليمية وصولا إلى تفعيل دور الجامعات في صنع السياسات العامة: من خلال توفير الخبرات والمعرفة، لتسهم الجامعات في تشكيل السياسات العامة والتأثير على القرارات الحكومية بما يخدم المصلحة العامة.
إن الجامعات هي قاطرة التنمية في المجتمع وهي تتميز عن غيرها من أليات الوعي والتنوير بكونها يتوفر لها أدوات الاستدامة والحوكمة والمحاسبية من خلال برامج تقييم الاداء ومعايير الجودة التعليمية التي اصبحت ضرورية من أجل إعتماد الجامعات محليا وعربيا ودوليا، وتدرج بها الجامعات في التصنيفات الدولية العالمية مما يمنحها سمعة دولية مرموقة لتصبح مقصدا للطلاب النابغين ومصنعا لتخريج العلماء والمبتكرين من ذووي أصحاب الأثر الكبير في تنمية مجتمعاتهمد مثلما يحدث في كبريات الجامعات الدولية المتقدمة.
فالجامعة هي مؤسسة مجتمعية في الأساس ولكنها تتميز بما تحمله من سمات الانضباط والاستدامة بما يسمح لها في تحقيق دورها في تنمية المجتمع من خلال التعليم والبحث العلمي، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإعداد الأجيال القادمة لمواجهة تحديات المستقبل والمساهمة في تحسين جودة الحياة وتحديث المجتمع، ليوضع في مكانة عالية في مصاف الأمم المتقدمة، ويشارك في بناء مستقبل الإنسانية.