محمد الجالى يكتب من أنقرة: مكاسب زيارة الرئيس السيسى لتركيا.. حفاوة كبيرة وتوافقات استراتيجية.. كواليس زيارة الـ6 ساعات.. أجواء القصر الرئاسى.. وخلية نحل من وسائل الإعلام للتغطية والملفات العالقة لم تعد شائكة

الخميس، 05 سبتمبر 2024 06:53 م
محمد الجالى يكتب من أنقرة: مكاسب زيارة الرئيس السيسى لتركيا.. حفاوة كبيرة وتوافقات استراتيجية.. كواليس زيارة الـ6 ساعات.. أجواء القصر الرئاسى.. وخلية نحل من وسائل الإعلام للتغطية والملفات العالقة لم تعد شائكة زيارة الرئيس السيسي لتركيا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الإعلان المشترك للاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجى رفيع المستوى بين البلدين يؤكد الرغبة الملحّة فى تعزيز التعاون.. وتوقيع نحو 20 مذكرة تفاهم انعكاس لجهود سياسية ودبلوماسية مكثفة على مدار سنوات

قبل نحو عام من الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا، جاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى التاريخية إلى العاصمة أنقرة أمس الأول الأربعاء، ومن قبلها زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى القاهرة فبراير الماضى، لتذيب الجليد حول مستقبل العلاقات، التى تأثرت كثيرا بالتحولات الجيوسياسية فى المنطقة.

مرت 10 سنوات كانت مليئة بالتجاذبات السياسية بين البلدين، منذ انتخاب الرئيس السيسى رئيسا للجمهورية وتوليه مقاليد الحكم فى العام 2014، لكن على الرغم من ذلك كانت التجارة قائمة بين البلدين، فمصر وتركيا بلدان كبيران ومؤثران بشكل كبير فى محيطهما الإقليمى، والخلافات السياسية بينهما لا تخدم مصالحهما، وفى المقابل فإن التوافقات بينهما يخدم كثيرا مصالحهما فى كل المجالات، فضلا عن التأثير المباشر على أمن واستقرار المنطقة.

زيارة الرئيس السيسي لتركيا (1)
زيارة الرئيس السيسي لتركيا

كانت آخر زيارة لرئيس تركى إلى مصر هى تلك التى أجراها الرئيس السابق عبدالله جول فى فبراير عام 2013، فيما كانت آخر زيارة لأردوغان إلى القاهرة خلال فترة ولايته رئيسا للوزراء فى نوفمبر 2012.


‏‎بدأت الرسائل الإيجابية بين البلدين، على هامش مشاركة الرئيسين فى العديد من الفعاليات الدولية، ولقاء السيسى بأردوغان فى أكثر من محفل دولى، والذى من شأنه مهد الطريق لزيارات متبادلة على مستوى المؤسسات الدبلوماسية والسيادية فى البلدين، لحل الخلافات والوصول إلى تفاهمات فى الملفات المتشابكة.

زيارة الرئيس السيسي لتركيا (2)
زيارة الرئيس السيسي لتركيا


وعقب زيارته إلى القاهرة، فبراير الماضى، أكد الرئيس أردوغان فى تصريحات إعلامية، على وجود علاقات عميقة الجذور مع ‎مصر، ثقافيا وتاريخيا وأن زيارته إلى مصر كانت صادقة وإيجابية، كما أوضح بأن تركيا لا نتقاسم مع مصر التاريخ فقط، بل أيضا تربطهما الجغرافيا والبحر المتوسط.


‏‎لا شك أن الكارثة الإنسانية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى فى غزة، وفتح إسرائيل لجبهات جديدة من الصراع والتصعيد فى المنطقة، والتحديات غير المسبوقة التى تهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة، ساهمت فى إعادة ترتيب الأوراق بين البلدين الكبيرين، فرغم بعض الخلافات الظاهرة فى عدد من الملفات الإقليمية، إلا أن هناك توافقا وتطابقا فى وجهات النظر بشأن الأوضاع فى غزة، وكذلك دعم الرؤية المصرية لضرورة وقف الحرب ودعم حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة.

زيارة الرئيس السيسي لتركيا (3)
زيارة الرئيس السيسي لتركيا


ووصف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بـ«هتلر العصر» حيث شبهه بالزعيم النازى الألمانى أدولف هتلر، مؤكدا أن نتنياهو وحلفاءه «لن يفلتوا من العقاب»، كما حذر الرئيس التركى نتنياهو من إعادة احتلال إسرائيل قطاع غزة، وقال إن السيطرة على غزة من شأنها فتح الباب أمام عمليات احتلال أخرى، وأن إتاحة المجال أمام استيطان الإرهابيين الإسرائيليين فى غزة تجعل إسرائيل أكثر عدوانية.


لقد نجح الرئيسان «السيسى وأردوغان» فى خلال 7 شهور بين الزيارتين «زيارة أردوغان للقاهرة فى فبراير الماضى وزيارة السيسى لأنقرة سبتمبر الجارى» فيما يمكن وصفه بـ«اتفاق على إدارة الخلافات»، وهو تطور مهم وإنجاز كبير كان يصعب التكهن به فى ظل الأوضاع الإقليمية المضطربة ولعب بعض الفاعلين أدوارا لزيادة حجم التوتر بين البلدين.
ولا شك أن الرئيسين كانت لديهما إرادة مشتركة فى طى خلافات الماضى والاستفادة من الأوضاع السابقة فى بناء علاقات أكثر تفاهما وتعاونا بما ينعكس على مصالح الدولتين والشعبين الكبيرين، وهو ما لمسه الرئيس التركى فى زيارته إلى القاهرة فبراير الماضى من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة.

زيارة الرئيس السيسي لتركيا (4)
استقبال حافل للرئيس السيسي فى تركيا


فى المقابل، كانت زيارة الرئيس السيسى إلى أنقرة، والتى استمرت نحو 6 ساعات، كافية لتأكيد النظام التركى على بدء مرحلة جديدة من تطبيع العلاقات مع مصر، وهو ما رصدناه كوفد إعلامى مرافق للرئيس السيسى، فور أن حطت طائرة الرئاسة المصرية على الأراضى التركية.


استقبل الرئيس أردوغان الرئيس السيسى بحفاوة فى مطار أنقرة، ثم اصطحبه إلى القصر الرئاسى، وأجريت للرئيس السيسى مراسم استقبال رسمية، فى وجود مكثف من وسائل الإعلام التركية ومراسلى وسائل الإعلام العالمية فى تركيا.
6 ساعات ناقش خلالها الزعيمان ملفات عديدة، وشهدا مراسم التوقيع على ما يقرب من 20 مذكرة تفاهم، وتحدثا أمام وسائل الإعلام التى اكتظت بهم قاعة كبيرة ملحقة بالقصر الرئاسى، فى كل الملفات والقضايا، ثم اصطحب الرئيس التركى نظيره المصرى إلى مأدبة عشاء أقامها تكريما للسيسى والوفد المرافق له.

زيارة الرئيس السيسي لتركيا (5)
الرئيس التركى خلال استقبال الرئيس السيسي


تكللت تلك الزيارة التاريخية بتوقيع الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره التركى رجب طيب أردوغان فى العاصمة التركية أنقرة، على نص الإعلان المشترك للاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجى رفيع المستوى بين البلدين، والذى أكد حرص البلدين على تعزيز العلاقات الثنائية فى كل المجالات، وذلك استنادا لروابط الصداقة القوية والقيم المشتركة التى تربط البلدين ومبادئ الاحترام المتبادل، والتفاهم المشترك والتعاون واحترام مقاصد و مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.


وبناء على الإعلان المشترك لإعادة تشكيل مجلس التعاون الاستراتيجى رفيع المستوى بين الجمهورية التركية وجمهورية مصر العربية، والموقع فى 14 فبراير 2024 بالقاهرة، وأخذا فى الاعتبار أن عام 2025 سيمثل مئوية إقامة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر، أعرب البلدان عن إرادتهما لترفيع شراكتهما وتعاونهما فى كل المجالات إلى المستوى الاستراتيجى، واستكشاف قطاعات جديدة للتعاون بين الدولتين بناء على المصلحة المتبادلة ومبدأ التضامن؛ حيث يستهدفان تعزيز السلم والرخاء والاستقرار فى محيطهما وما ورائه، ويؤكدان على التزامهما بمبادئ وقواعد القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة.

زيارة الرئيس السيسي لتركيا (6)
زيارة الرئيس السيسي لتركيا 


كما أكدا اعتزامهما تعزيز التنسيق والتعاون فى المحافل الدولية للمساهمة فى الجهود الدولية للتعامل مع التحديات العالمية بما فى ذلك التنمية المستدامة، وتغير المناخ، وحماية البيئة، والأمن الغذائى، وإدراكا منهما للأهمية المحورية للتعاون الاقتصادى فى تحقيق الرخاء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعبيهما من خلال شراكة اقتصادية مميزة ومثمرة ذات منفعة متبادلة للطرفين وبناء على الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجى رفيع المستوى بين جمهورية تركيا وجمهورية مصر العربية، والذى عقد برئاسة رئيسى الدولتين فى أنقرة فى 4 سبتمبر 2024.


الطرفان رحبا بالتوقيع على مذكرات التفاهم فى مجالات المالية والبيئة والعمران، والصحة، والطاقة والمشروعات المشتركة، والزراعة، والطيران المدنى، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم العالى، والعمل والتشغيل والتعاون وبناء القدرات والسكك الحديدية وسياسات المنافسة، وتدريب الدبلوماسيين، كما قررا الارتقاء بالجهود المشتركة لتنويع وتعميق التعاون والتنسيق متعدد الأوجه بين الطرفين من خلال تطوير الإطار القانونى الثنائى القائم فى كافة المجالات حسب الحاجة.


وتضمن الإعلان المشترك 36 بندا مهما، أبرزها تطلع البلدين لزيادة حجم التجارة البينية إلى 15 مليار دولار أمريكى من خلال المزيد من تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين واستثمار الإمكانيات المتاحة.


كما أكدا التزامهما بترويج وزيادة المشروعات الاقتصادية والفرص الاستثمارية المشتركة فى كافة المجالات بهدف تحقيق التكامل الإنتاجى والاستهلاكى، وكذلك التصدير إلى الدول الأخرى فى أفريقيا وأوروبا وأجزاء أخرى من العالم يشجعان المشاركة الدورية فى معارض ومؤتمرات التجارة والفعاليات الاقتصادية مثل المنتديات والندوات والمؤتمرات وورش العمل فى كل من تركيا ومصر، وكذلك تبادل وفود التجارة والأعمال بين الطرفين.


وأكد البلدان أيضا استعدادهما لمواصلة الحوار السياسى والدبلوماسى بين البلدين، وتوسيع نطاق التشاور فى المجالات المختلفة مثل العسكرية والأمنية والشؤون القنصلية.


وتطرقت البنود إلى التأكيد على الروابط الثقافية والتاريخية بين الدولتين، ويوافقان على تعزيز تعاونهما فى مجالات السياحة والثقافة والتعليم والشباب والرياضة، إضافة إلى الرغبة فى تطوير التعاون فى مجالات الإعلام والاتصالات ومكافحة المعلومات المضللة، وهو بند مهمّ سيؤدى إلى التقارب بما ينعكس إيجابا على الرسالة الإعلامية للبلدين.
كما أن هناك بندا آخر لا يقل أهمية وهو التزامهما بتطوير التعاون فى مختلف المجالات المتعلقة بوسائل النقل بما فى ذلك النقل البحرى والجوى، والبرى.


ولعل ما تضمنه الإعلان من تعزيز التعاون بين السلطات المعنية للطرفين بهدف مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره، ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود بما فى ذلك تهريب المهاجرين غير الشرعيين والاتجار بالبشر وتجارة المخدرات، سينعكس أيضا على أمن واستقرار البلدين.


وفى الملفات الإقليمية، كانت هناك ثلاثة بنود لصالح القضية الفلسطينية والأوضاع فى غزة والضفة الغربية، حيث شددا على ضرورة الوقف الفورى والدائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، وتدفق المساعدات الإنسانية والطبية دون انقطاع ودون عوائق إلى قطاع غزة، وإلى جميع أنحائه، وفقا لقرارات مجلس الأمن، كما طالبا بالتضامن القوى فى جهود إعادة إعمار غزة، والاستعادة الفورية للسلام فى المنطقة لمنع المزيد من التصعيد وأعربا عن استعدادهما لتعزيز مستوى التنسيق والتعاون بين تركيا ومصر لدعم جهود التعامل مع الوضع الإنسانى فى غزة.


وأعرب البلدان عن القلق العميق إزاء الممارسات الإسرائيلية غير الشرعية فى الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وإدانة الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية، وعنف المستوطنين، فضلا عن التصريحات التصعيدية والتحريضية ذات الصلة والاقتحامات العسكرية الإسرائيلية للمدن الفلسطينية، كما دعيا المجتمع الدولى لدعم جهود السلطة الوطنية الفلسطينية لرفع ومواجهة القيود الإسرائيلية وكذلك السياسيات والممارسات غير الشرعية، مع تمكينها القيام بواجباتها ومسئولياتها تجاه الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. إضافة إلى تأكيد دعمهما الثابت للمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، والحق الشرعى للشعب الفلسطينى لإقامة دولة مستقلة ذات سيادة على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، مع الحفاظ على حق العودة لكافة اللاجئين الفلسطينيين، ودعوة الدول التى لم تعترف بعد بدولة فلسطين لاتخاذ خطوات سريعة بالاعتراف بها، والتأكيد على أهمية المبادرات الخاصة بلجنة الاتصال المعنية بغزة والتابعة لمنظمة التعاون الإسلامى وجامعة الدول العربية، فضلا عن مساندة الجهود الرامية لتحقيق وحدة الصف الفلسطينى لأهمية ذلك فى هذه المرحلة الدقيقة من عمر القضية الفلسطينية.


التوافق بين البلدين، وفقا لبنود الإعلان، تطرق إلى سوريا والعراق وليبيا والسودان والقرن الأفريقى، حيث أكدا على التزامهما المشترك لتحقيق الحل الدائم والشامل للصراع فى سوريا اتساقا مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، وأهمية مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره فى سوريا مع التشديد على أهمية سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية، ودعم سيادة واستقرار العراق، معربان عن دعمهما لجهوده نحو التنمية وإعادة الإعمار.


وأكد الطرفان تطلعهما لدعم عملية سياسية بملكية وقيادة ليبية، وبتسهيل من قبل الأمم المتحدة بهدف الحفاظ على أمن واستقرار وسيادة ليبيا وسلامتها الإقليمية ووحدتها السياسية، كما اتفقا على أهمية ضمان السلم والأمن والاستقرار فى القرن الأفريقى والحفاظ على علاقات حسن الجوار والصداقة، فضلا عن الاحترام المتبادل للسيادة والسلامة الإقليمية لكل دولة، كما رحبا بالمبادرات الخاصة بحل الأزمة فى السودان سلميا، ودعم الجهود الدبلوماسية المشتركة فى هذا السياق.


لا شك أن البلدان الكبيران يدركان أهمية التقارب بينهما فى هذا التوقيت المهم، الذى يهدد أمن وسلامة المنطقة، فضلا عن استشراف آفاق جديدة للتعاون البنّاء، والمضى قدما للانخراط فى تعزيز العلاقات بما ينعكس إيجابا على مصالح البلدين والشعبين، رافعين شعار «الأمن القومى للبلدين والمنطقة فى أمسّ الحاجة للتقارب والتنسيق»

p.2
p.2

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة