إن ثوابت ومعايير المجتمع يتم الحفاظ عليها من خلال شراكة أصيلة للأسرة التى تعمل جاهدة فى تربية أبنائها وفق هذا النسق القيمى الذى تؤمن به وتتبناه، وهنا تحدد الأسرة ما يصح وما لا يصح بما يسهم بإيجابية فى بناء سلوك الفرد ويساعد فى تكوين بنى معرفية أصيلة صحيحة متجذرة منسدلة من ماهية الثوابت المشار إليها والتى تعد بمثابة الميثاق الأخلاقى الحاكم للمجتمع الكبير والصغير على السواء.
ونجاح الأسرة فى بناء الإنسان مرهون بتوفير طاقة من المحبة والاحتواء ومقدار كبير من الدفء يشعر الفرد بالأمان ويوفر له مقومات اكتساب الخبرات القيمية التى يتلقاها فى مقتبل عمره على مدار الساعة، وهنا نتحدث عن العلاقة بين الفرد ووالديه على وجه الخصوص والتى يتوجب أن تقوم على التواصل المستدام الذى يوقظ الضمير ويشكل فى لبنته المعايير التى ينبغى أن يتمسك بها الإنسان ويسير على نهجها؛ كى ينال رضا الأسرة والمجتمع قاطبة.
وبغض النظر عن التباين بين الأسر فى متغيرات قد يكون منها ثقافية أو اجتماعية أو عقدية أو اقتصادية؛ إلا أن الأمر الجامع يقوم على المتغير القيمي؛ فهو اللبنة الرئيسة للبناء والذى لا يقبل تفاوتًا أو تبيانًا بين أنماط الأسر؛ فالمعيار ثابت لا يقبل التجزيل أو المغايرة من مكان لمكان ومن زامن لآخر ومن أسرة لأخرى؛ فهذا أمر يضمن استقرار المجتمعات ويضمن تكافلها وترابطها ولا نغالى إذا ما نقلنا ضمانة بقائها بين الأمم؛ فبنسق قيمى راسخ موحد تستطيع أن تنهض مجتمعاتنا الصغيرة المتمثلة فى الأسرة ببناء إنسان طموح يشارك فى تحقيق غايات الوطن.
ومكمن الخطورة يتضح فى صعوبة حماية الأسرة للنسق القيمي؛ بما قد يتسبب فى إحداث تآكل فى العلاقات بين أطرافها ومكونها؛ فتصبح خاضعة لتحديات قد تكون ثقافية، أو رقمية، أو اجتماعية، أو تغييرات جارفة جراء ثورات متتالية أفرزتها فئات غيرت من نسقها القيمى وتحاول أن تهيمن على العالم عبر فرض ثقافتها التى تقوم على المادية البحتة والبرجماتية أو النفعية المقيتة؛ حيث إن بناء الإنسان من وجهة نظرها قائم على ما يمتلكه من قدرات تحقق النفع بغض النظر عن صورة العلاقات مع الآخرين؛ فليست محل اهتمام أو رعاية.
وفى هذا السياق نؤكد على أهمية الأسرة فى بناء الإنسان فى ضوء حرصها وحمايتها وتبنيها للنسق القيمى النبيل والعمل على غرس منظومة الفضائل التى يتمتع بها المجتمع المصرى وصقل الخبرات التى تتضمن المعارف والمهارات والوجدانيات التى تترجمها سلوكيات القدوة فى كل ما يتم تناوله مع الفرد فى حيز الأسرة وخارجها، بما يعزز لديه أهمية القيمة وتطبيقاتها الوظيفية فى الحياة؛ ليصبح سعيدًا راضيًا شاكرًا للنعم التى من بها الله عليه وحسبه أنه نشأ فى أسرة كريمة تحافظ على أصلتها وتؤدى رسالتها فى الحياة على الصورة الصحيحة.
ويتوجب على الأسرة أن تقاوم بكل قوة مسببات تغيير النسق القيمى التى تحدثها حالة التغير المفاهيمى فى عصر الفضاء المنفلت؛ إذ يجب أن تعمل على تصويب الفهم الخطأ وتقويم السلوك غير المعتدل والذى لا يتناسب مع ما نؤمن به من نسق قيمى ونترجمه قولًا وفعلًا، كما يستدعى الأمر أن تتابع الأسرة عن كثب كافة التغيرات التى تطرأ على الفرد بداخلها؛ لتصلح المعوج وتقومه قبل فوات الأوان، وعلى الأسرة أن تعى أن هناك تغيرًا معلوماتيًا جارفًا نتج عن إفرازات الثورة المعرفية والتقنية وشتى الاكتشافات العلمية بما أدى لتباين الفكر والرؤى وساعد فى تغيير كثير من القيم لدى بعض المجتمعات.
والأسرة التى تبنى الإنسان ليست ببعيدة عما يجرى من تغييرات أيدولوجية وسياسية للأسف أدت لتغيير ثوابت ومفاهيم كانت راسخة فى الأذهان؛ فصارت كطيف سراب، بل وذهبت الكثير منها أدراج الرياح، وهذا يستلزم من الأسرة أن ترسخ فلسفة لا يصح إلا الصحيح فى أذهان ووجدان الأبناء؛ كى يتحلوا بالمقدرة على فرز الغث من الثمين، ويصبحوا قادرين على التفسير والاستنتاج والفهم العميق، ومن يمتلكون المقدرة على إصدار أحكام تقوم على صحيح القيم وتتفق مع صحيح المعتقد ولا تتعارض مع مقاصد الشريعة التى تحافظ على الإنسان كونه أغلى ما فى الوجود؛ فمن أجله خلق الأرض وما عليها، ولأجله سخرت مقوماتها، وعليه أن يحافظ على مقدراتها ويصون مواردها ويعمل على إعمارها حتى قيام الساعة.
إن الاضطراب الاجتماعى هائل التأثير الذى نرصده اليوم يستلزم أن نسير بخطى ممنهجة تجاه فكرة بناء الإنسان من خلال روافد عديدة ومتعددة؛ لنستطيع أن نعالج إشكالية عطب النسق القيمى الذى كان أسبابه ظهور وتنامى ثقافات غريبة التركيب ترفض فى ضوء ما تتبناه من مبادئ فلسفة القيم النبيلة وتدعى بالباطل أنها تؤخر طور النهضة والتقدم على الأرض، وهذا ما يجعلنا نعى مدى الخطورة جراء هذا الأمر؛ ففرضية تماسك المجتمعات تقوم على بقاء منظومة القيم التى تحقق لنا ماهية الأمن القومى وتقوى الجبهة الداخلية للمجتمع وتحافظ على لحمة الجبهة الخارجية منه.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة