"بِقدر الكَد تُكتسب المَعالى، ومن طَلب العُلا سَهر الليالي".. كلمات قالها الإمام الشافعى شاعر العلماء وإمام الحكماء، شمس الدنيا وعافية الناس كما وصفه تلميذه الإمام أحمد بن حنبل.. رحم الله الإمامين الجليلين، وسلام على ذاك الزمان.
تدبّرت فى رسالة الإمام الشافعى لتحقيق النجاح فى الحياة، فوجدت أنه بقدر الكد والعمل وبذل الجهد يكتسب المرء معالى الأمور، ومن أرادها لابد أن يسهر الليالى ويجتهد ويرتقى بعمله ليصل إلى العُلا.
وهنا.. تذكرت السيرة الذاتية للدكتور بدر عبد العاطى وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين فى الخارج، ابن أسيوط البار الذى تخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة بتفوق مبهر عام 1987، وفور تخرجه بدأ حياته المهنية باحثاً فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية لمدة عامين، وكتب العديد من الأوراق البحثية العميقة فى مجال السياسة الدولية، ليقوده طموحه إلى اختبارات التوظيف بوزارة الخارجية عام 1989، ونجح فيها بتفوق كعادته، بل كان الأول على دفعته.
تدرج الرجل فى وظائف السلك الدبلوماسى، وبدأ مسيرته ملحقاً بوزارة الخارجية المصرية حتى عام 1991، قبل أن ينتقل إلى العمل سكرتيراً ثالثاً فى السفارة المصرية بتل أبيب حتى عام 1995، وكان مسؤولاً هناك عن شؤون إسرائيل الداخلية وعملية السلام فى الشرق الأوسط. وعقب انتهاء عمله فى تل أبيب عاد إلى ديوان وزارة الخارجية بالقاهرة، بعدما ترقى لدرجة سكرتير ثانٍ وعمل فى مكتب نائب مساعد وزير الخارجية للتعاون الاقتصادى الإقليمى بالشرق الأوسط. وخلال تلك الفترة، حرص عبد العاطى على صقل مهاراته الدبلوماسية العلمية بالدراسات الأكاديمية، حيث حصل على درجة الماجستير فى العلاقات الدولية من جامعة القاهرة عام 1996، وركز موضوعها على السياسة الخارجية المصرية تجاه فلسطين، وفى نفس العام كان عضواً بالوفد المصرى فى مؤتمر القاهرة الاقتصادى للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبعدها التحق بالسفارة المصرية فى طوكيو عام 1997 وحتى عام 2001، وكان مسؤولاً عن الشؤون الأفريقية وعملية السلام فى الشرق الأوسط وإيران. قبل أن يعود مرة أخرى إلى ديوان وزارة الخارجية كسكرتير أول بمكتب وزير الخارجية، واستكمل وقتها دراسته الأكاديمية فحصل على درجة الدكتوراة فى العلاقات الدولية من جامعة القاهرة عام 2003، وعمل محاضراً فى الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، وفى ذات العام انتقل إلى واشنطن للعمل مستشاراً سياسياً بالسفارة المصرية والمسؤول عن ملفى الكونجرس والشؤون الأفريقية حتى عام 2007. ثم عاد إلى مصر لوظيفة مدير شؤون فلسطين بوزارة الخارجية ولمدة عام كامل، وأصبح نائباً لرئيس البعثة الدبلوماسية المصرية فى بروكسل من عام 2008 وحتى عام 2012.
كانت المحطة الفارقة فى تاريخه المهنى توليه منصب المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية ومدير إدارة الدبلوماسية العامة منذ عام 2013 وحتى عام 2015، وبعدها تعيينه سفيراً لمصر فى ألمانيا لمدة 4 سنوات حتى عام 2019، ثم سفيراً فى بلجيكا ولوكسمبرج، قبل أن يتم تكليفه وزيراً للخارجية والهجرة وشؤون المصريين فى الخارج.
عزيزى القارئ.. تعمدت سرد المسيرة المهنية للدكتور بدر عبد العاطى تفصيلياً على مدار 37 عاماً، وحصر خبراته الدبلوماسية الواسعة؛ لأؤكد لك المعنى الواقعى لمقولة "بِقدر الكَد تُكتسب المَعالي" التى ذكرتها فى بداية المقال.
نحن بالفعل أمام شخصية دبلوماسية وسياسية من الطراز الرفيع، عرفتها عن قرب منذ أكثر من 11 عاماً، حينما تولى عبد العاطى منصب المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، واحتك بمختلف الأوساط الإعلامية، لاسيما مع حرصه الدائم على التواصل ليلاً ونهاراً مع كافة الإعلاميين والصحفيين، خلال مرحلة مفصلية وحساسة فى التاريخ المصرى الحديث عقب ثورة 30 يونيو المجيدة.
أستطيع أن أجزم، بأن الدكتور بدر عبد العاطى مثالاً يحتذى به فى الجد والاجتهاد والتفانى والعمل الدؤوب والإخلاص، فى خدمة الوطن والمواطن بالجمهورية الجديدة، لأنه بالفعل "الرجل العصامى المجتهد".
ومنذ يومين، شاركت فى لقاء مهم عقده الدكتور بدر عبد العاطى مع عدد من رموز الإعلام وقادة الرأى والكتاب والأكاديميين المصريين. وكان اللقاء مثمراً بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، حيث استمر لأكثر من ثلاث ساعات، تحدث الوزير الهُمام خلالها عن التحديات الخارجية الجمّة التى تواجها الدولة المصرية خلال الفترة الحالية. واعتمد المصارحة والمكاشفة خلال الحديث حول قضايا السياسة الخارجية وجهود الدولة لمواجهة تحديات المرحلة ودور الإعلام تجاهها، خاصة فى ظل الوضع الراهن الذى يشهد تحديات متفاقمة وغير مسبوقة تحيط بمصر إقليمياً ودولياً. كما استعرض أهم ملامح مبدأ الاتزان الاستراتيجى فى سياسة مصر الخارجية، وتطبيقه فى علاقات القاهرة مع شركائها الاستراتيجيين. وأكد أن أولويات سياستنا الخارجية الحالية ترتكز على مركزية دور المواطن وتطوير منظومة الخدمات القنصلية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع مختلف دول العالم، وحسن توظيف عناصر القوة الناعمة لمصر والترويج لها.
هذا اللقاء البنّاء شهد تبادل للرؤى والتقييمات تجاه ما تشهده المنطقة من تحديات، بالإضافة إلى آخر المستجدات بعدد من الملفات ذات الأولوية لاسيما القضية الفلسطينية والتطورات المتسارعة على الساحة السودانية والتحديات الأمنية فى البحر الأحمر وجهود تحقيق السلام والاستقرار فى منطقة القرن الإفريقى والقارة الإفريقية ككل. كما تم التطرق إلى سبل مواصلة التحرك الدبلوماسى المصرى النشط فى دوائر السياسة الخارجية المختلفة، بما يسهم فى الدفاع عن المصالح الوطنية ويعزز دور مصر على الساحتين الإقليمية والدولية.
ويبقى القول، أن الدبلوماسية المصرية الآن فى ظرف استثنائى، ما يدفع الدكتور بدر عبد العاطى للتعامل مع تحديات عدة – بتفوق كما عهدناه دوماً – للدفاع عن مصالح مصر وأمنها القومى، وهو الهدف الذى وضعه الرجل نصب عينيه على مدار الشهرين الماضيين منذ توليه مسؤولية وزارة الخارجية، حيث أكد فى أولى تصريحاته اعتزامه مواصلة تعزيز العلاقات مع الشركاء الإقليميين والدوليين والدفاع عن القضايا العربية والأفريقية فى مختلف المحافل، انطلاقاً من قناعته بأن الدبلوماسية المصرية قادرة على أن ترسو بالوطن إلى بر الأمان وسط التحديات الإقليمية والدولية المتفاقمة.
ويأتى تولى د/ عبد العاطى منصب وزير الخارجية وسط ظروف اقليمية بالغة الحساسية ليمضى فى درب سبقه فيه عمالقة الدبلوماسية المصرية ومنهم عمرو موسى واحمد ابو الغيط واحمد ماهر ومحمد العرابى ونبيل العربى ونبيل فهمى ومحمد عمرو وسامح شكرى والذين دافعوا عن مصالح الدولة المصرية وأمنها القومى وسط اقليم لا تغيب عنه الاضطرابات والأزمات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة